شاعر القبيلة!

آراء

«شاعر القبيلة» همه الأول تمجيد القبيلة ومدح تاريخها وتحويل هزيمتها إلى انتصار. إنه لا يرى في قبيلته عيبا، بل من العيب أن يرى فيها عيبا. مهمته، في السلم، الثناء على كل حدث داخل قبيلته. وهو «مداح» لا يمل كيل المديح لشيخ قبيلته وأعيان القبيلة وأثريائها. أما في الحرب، فهو لسان سليط، شتام رداح، ضد من يجرؤ على كلمة نقد ضد قبيلته أو شيوخها.

قبيلته دائماً على حق وهي دائماً رمز للفروسية والكرم والمجد. أما القبيلة الخصم فيكاد يجردها من أي قيمة إنسانية، ومن تاريخها وأمجادها. شاعر القبيلة غالباً نذير شر، يشعل الفتن بطول لسانه، متقلب في مواقفه، يرفعك للسماء إن أكرمته، ثم ينزلك منزلة البخلاء ومن بلا أصل أو فصل إن حرمته يوماً من «شرهة» أو «هدية». وإن اشتعلت حروب الكلام في محيطه، لبس خوذة المحارب وحمل «سيف» البذاءة وأطلق لسانه السليط في شتم القريب والبعيد، وفي التحريض والتهييج وقرع طبول الفتنة.

شاعر القبيلة يعيش معنا إلى اليوم منذ تلك العهود التي نسميها بـ«الجاهلية». و«جاهلية» يومنا أشد فتكاً من مثيلاتها في غابر الأزمنة. فشاعر القبيلة اليوم يمتلك أدوات حرب وتحريض لم يمتلكها أقرانه فيما مضى. ففضائياتنا وصحفنا، ناهيك عن كل وسائل الإعلام الجديد، صارت منبراً لـ»شاعر» القبيلة خصوصاً وقت الخصومة التي ينتشي فيها وتتجلى عبرها إمكاناته الكبيرة في الشتيمة والكذب والتضليل.

إعلامنا العربي ما زال -في أغلبه- منتمياً لثقافة «شاعر القبيلة»!
وعند كل أزمة، يظهر فيها إعلامنا على حقيقته. وهي مسألة مؤسفة. فلو يجرب إعلامنا مرة واحدة أن يلتزم الحياد والمهنية في أزمة سياسية واحدة لربما أدرك أهله قوته وأهميته في إطفاء فتيل الفتن.

هل ما زال بيننا من يسأل: لماذا لا تثق الناس في إعلامنا العربي؟ ومن يراهن أصلاً على «شاعر القبيلة»؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٥٤) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٦-٠٥-٢٠١٢)