أي ذئب هذا يخرج من معطف الشعر ليفتك وأي جين هذا يطفح بالعدوانية تجاه الآخر؟
ذلك السؤال الذي يتدحرج على سفح المخيلة ويستدعي جل ما تقدمه القصيدة من أجل بياض العالم ومن أجل نبتة أرهف من رمش العين وأكثر خلوداً من نجمة في السماء.
عندما قرأت خبر محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو على يد شاعر سبعيني تحول إلى التطرف ليكتب قصيدة من عيار دموي ثقيل ويسجل للتاريخ كيف تتحول أبيات القصيدة الرائعة إلى طلقات نارية مفعمة بالشر مكتوبة بالحبر الأحمر القاني، ولأن التاريخ مليء اليوم بأنياب الذئاب البرية المنفردة والجماعية فإن ما قام به هذا الذئب الكهل لهو التعبير المباشر عن الفجوة التي تفصل ما بين الروح الشفافة للشعر وتلك الجينات البغيضة الغائمة القاتمة المعتمة التي تتفجر في أعماق البشر لأسباب مختلفة ودوافع تخرج من تحت ركام عالم تحترق فيه قمامة الأفكار لتتحول القصيدة الإيجابية إلى طلقات نارية من دخانها ينبعث الموت ومآتم بشرية مشحونة بأفكار العدمية، وعبثية لا حدود لتفاصيلها الداخلية ولا تفسير لها سوى أنها تتفتق عن حالات شاذة لمشاعر، ولا تفرق بين الشاعر والمجرم فكلاهما يندمجان في واحد وهو (الأنا) المأزوم في تطلعاته والذات المستلبة والإنسان الذي خلع معطف الإنسانية ليتحول إلى كائن خاوٍ إلا من أنياب الذئاب، كائن مفلس حتى القصيدة عجزت عن ردعه ويئست من تجميل داخله لأنه كائن يعاصر وضعاً نفسياً داخلياً مرهوناً لذات مهشمة، مما يجعله يهجر وحي الشعر فجأة ويتحول إلى واد غير ذي زرع، ويعيش التضور والتشوق للدم المهدور بدلاً من العكوف على صفحة بيضاء من غير سوء ليلونها بما تجود به القريحة من جمال الكلمة ورونق الجملة الشعرية وفكرة تطارد السواد البشري وتحوله إلى موجة ناصعة تغسل شواطئ الذاكرة كما تنظف العالم من غي وطغيان وكراهية.
لو حاولنا الاقتراب من تاريخ السبعيني القاتل والشاعر المتمرد على الشعر ودرسنا حالته العامة سوف نكتشف في نهاية الأمر أن الشعر انفصل عن الشاعر في لحظة فورية تم فيها رجوع الكهل إلى طفولة مدمية بعلاقات عائلية جرداء خاوية من بلل المشاعر اللينة، تلك المشاعر المخضوضبة بأهداب الحب، تلك المشاعر المتدفقة من عيون الدفء والحنان.
لا شك ربما يكون هذا الكائن الفتاك يعاني من ظروف راهنة ولكن في الأصل فإن التربة كانت غير صالحة للشعر تربة سوداوية بغيضة لا تتناسب ومشاعر القصيدة والتي هي من فصيلة النخلة التي تذلل عناقيدها كي ترتشف الشفاه عذب الأسيل.
حقيقة عندما قرأت الخبر انتابتني القشعريرة وشعرت بأن الشعر ليس بخير، ولكن ربما هذه حالة انفعالية أولى، ولكن بعد أن تأملت ما في الذاكرة من ثوابت توثقت صلتي بالحقائق التاريخية، وأيقنت أن القصيدة في حد ذاتها أصيبت بخيبة أمل جراء تصرف هذا الكائن المأفون وأعلنت براءتها من هكذا كائن حُسب على الشعر بطريق الخطأ.
المصدر: الاتحاد