أكد معالي صقر غباش، رئيس المجلس الوطني الاتحادي، على الدورِ الذي باتت تلعبهُ البرلماناتُ في التعاملِ مع الكثيرِ من القضايا التي تُواجهُ عالمَ اليوم، والتي يُشكلُ فيها التصدي لظاهرةِ التغيِّر المناخي أحدَ أكبرَ التحديات.، انطلاقاً من مهامِها التشريعيةِ والرقابية، حيث تلعب البرلمانات دوراً أساسياً في سَنِّ أو تشريعِ أو تعديلِ القوانينِ المتعلقةِ بالاستثمارِ والتحولِ الوطني إلى مصادرِ الطاقةِ المتجددة، وفي مراقبةِ التنفيذِ والإنفاقِ الحكومي في هذا المجال.
جاء ذلك في كلمة معاليه خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع البرلماني العالمي الذي ينظمه الاتحاد البرلماني الدولي بالتعاون مع مجلس النواب المصري على هامش أعمال الدورة الـ 27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المُناخ، بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة واسعة من وفود برلمانية من أكثر من 60 دولة، فضلاً عن المنظمات البرلمانية الدولية والإقليمية، وبحضور عدد من رؤساء البرلمانات وعدد من الشخصيات الدولية رفيعة المستوى.
ويضم وفد المجلس الوطني الاتحادي في عضويته، سعادة كل من: عدنان حمد الحمادي، والدكتورة موزة محمد العامري، والدكتورة نضال محمد الطنيجي، والدكتورة شيخة عبيد الطنيجي، أعضاء المجلس، والدكتور عمر عبد الرحمن النعيمي الأمين العام للمجلس، وعفراء راشد البسطي الأمين العام المساعد للاتصال البرلماني، وطارق أحمد المرزوقي الأمين العام المساعد لشؤون رئاسة المجلس.
وقال معالي صقر غباش: يشهدُ عالمُ اليومِ طفرةً علميةً وتقنيةً هي الأسرعَ والأكثرَ تقدماً عبرَ جميعِ مراحلِ التاريخِ البشري، سيما ونحنُ نعيشُ عالمَ الثورةِ الصناعيةِ الرابعةِ والتكنولوجيا الإحيائيةِ والبياناتِ الكبرى، وفي نفس الوقتِ نواجهُ سلسلةً من التحدياتِ التي لم يشهدْها التاريخُ البشري أيضاً، والتي باتتْ تهددُ وجودَ الإنسان وحياته، ولعلَّ التغيرَ المناخي يمثلُ المشكلةَ الأخطرَ والأكثرَ شموليةً في هذا السياق.
وقال معاليه: لمْ يعدْ التصدي لظاهرةِ التغيرِ المناخي امتيازاً لدولةٍ دونَ أخرى، بل هو واجبٌ ومسؤوليةٌ مشتركة يتحملُها العالمُ بأسرِه، شعوباً وحكومات. فالتغيرُ المناخي هو المسؤولُ اليومَ ووفقاً لتقاريرِ منظمةِ الصحةِ العالميةِ عن وفاةِ حوالي 7 ملايين شخصٍ سنوياً، وهو المسؤولُ عن ارتفاعِ درجةِ حرارةِ الأرضِ بمعدلات تتجاوز 1.5 درجةٍ مئويةٍ في العقود القادمة، الأمرُ الذي يعني المزيدَ من الظواهرِ الجوية ِالقاسيةِ التي ستتسببُ في خسائرَ بشريةٍ وماديةٍ وبيئيةٍ كبيرةٍ للبلدان النامية تحديداً، ولا سيما في أفريقيا وآسيا، مثل التصحرِ والجفافِ أو الفيضاناتِ، وبالتالي المزيدَ من المجاعةِ والهجرةِ الداخليةِ والخارجيةِ وغير ذلك، بل وربما النزاعات بين الدول. فنحن اليوم نقف على أعتاب أزمات عالمية أخذت بعض مظاهرها تتجلى حيال أزمات الطاقة ونقص المياه وشح بعض أساسيات الغذاء العالمي مثل الحبوب.
وأشار معاليه إلى أن التعامل مع ظاهرة التغير المناخي يتطلبُ من الجميعِ العملَ في اتجاهين متوازيين: أولهما العمل المشترك على المستويين الإقليمي والدولي، مثلما يتجلى اليومَ في هذا الملتقى الذي يمثلُ منصةَ عملٍ وتعاونٍ دوليةٍ مشتركة، وثانيَهما أنْ تتبنى الدولُ قراراتٍ وطنيةً بعيدةَ المدى، تتجاوزُ في حدودِ تنفيذِها تهيئةَ البنيةِ التقنيةِ والفنية، لتصلَ إلى توفيرِ أطرٍ تشريعيةٍ سليمةٍ وشفافةٍ تُساعد على تحقيق رؤية وطنية تتعلق بتطوير الاستثمار في الطاقة المتجددة تحديداً.
ونوه معاليه بكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، أمام اجتماع قادة العالم ضمن فعاليات مؤتمر (COP27) التي أكد فيها أهمية معالجة التحديات العالمية كونها تؤثر على منظومة التنمية المستدامة والأمن والاقتصاد، إضافة إلى ضرورة التعاون الدولي في إيجاد حلول عملية تسهم في معالجة الخسائر والأضرار وخلق فرص نمو اقتصادي مستدام للبشر في كل مكان لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وأشار معاليه إلى أن دولة الإمارات منذ تأسيسها وضعت التنمية المستدامة ركيزة أساسية في مسيرتها حتى باتت دولة فاعلة في مجال الطاقة النظيفة ومواجهة التغيرات المناخية، فكانت الإمارات أول دولة في المنطقة تعلن عن استراتيجية وطنية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، كما تحتضن الدولة ثلاثاً من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم وبأقل تكلفة، وهي أول دولة في المنطقة تستخدم الطاقة النووية السلمية في إنتاج الكهرباء الصديقة للبيئة.
وقال معاليه: وفيما يتعلق على المستوى الدولي، وفي إطار مد جسور التعاون والشراكات النوعية مع المجتمع الدولي لتعزيز أمن الطاقة، استثمرتْ الإمارات أكثرَ من 50 مليار دولار في مشاريعِ الطاقةِ المتجددةِ في 70 بلداً، وتخططُ لاستثمار مليارات أخرى خلال العَقدِ المقبل، حيث وقعت الإمارات والولايات المتحدة شراكة استراتيجية لاستثمار 100 مليار دولار في تنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 جيجاواط.
كما وقعت دولة الإمارات ومصر اتفاقية لإنشاء مشروع لطاقة الرياح في مصر بقدرة 10 جيجاواط، والذي يعد واحداً من أكبر المشاريع في هذا المجال على مستوى العالم.
وأشار معاليه إلى أن المجلس الوطني الاتحادي، سيظل، حريصاً على العملِ الدؤوبِ مع المؤسساتِ التنفيذيةِ المعنيةِ في دولة الإمارات في تنويعِ مصادرِ الطاقةِ والتحولِ إلى البيئةِ النظيفة، وفاعلاً في مواكبةِ سرعة العملِ الحكومي وحاجتِه للتشريعاتِ الوطنية اللازمة للتصدي لظاهرة التغير المناخي والانتقال إلى اقتصادِ الطاقة المتجددة. بل إنَّ المجلسَ الوطني قد سعى في التعاونِ مع المؤسساتِ البرلمانيةِ على المستويين الإقليمي والدولي، وصولاً إلى الهدفِ المشتركِ لنا جميعاً بضمانِ حصولِ الجميع على مصادرِ الطاقة المتجددة.
وفي ختام كلمته قال معاليه: نتطلع إلى استضافتكِم على أرضِ إماراتِ التسامحِ والتعايشِ والأخوةِ الإنسانيةِ خلال فعاليات مؤتمر COP 28 الذي سيعقدُ بإذنِ الله في مثلِ هذا الوقتِ من السنةِ القادمةِ.
وتوجه معاليه بأصدقِ عباراتِ الشكرِ والتقديرِ لجمهوريةِ مصرَ العربيةِ الشقيقة لما لقيناهُ من حسنِ الاستقبالِ وكرمِ الضيافةِ، ولمجلسِ النوابِ المصري وللاتحادِ البرلماني الدولي لحُسنِ التنظيمِ لهذا المؤتمرِ. وأسأل اللهَ التوفيقَ والنجاحَ لجمهوريةِ مصرَ العربيةِ الشقيقة لاستضافتِها هذا الحدث العالمي المهم الذي يؤكدُ مكانةَ مصرَ المتميزِة على الساحتينِ الإقليميةِ والدولية.
في غضون ذلك، شهدت الاجتماع البرلماني العالمي على مدى خمس جلسات نقاشات مُكثفة بين البرلمانيين والخبراء من أنحاء العالم حول سبل تفعيل وحشد الجهود العالمية لمكافحة ظاهرة تغير المُناخ، كما تضمن الاجتماع شهادات من الخطوط الأمامية وما يمكن القيام به للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وتمت مناقشة الروابط الأساسية بين العمل المناخي والتنمية المُستدامة من خلال استعراض التحديات الإنمائية الخاصة بالأمن الغذائي والنزاعات والنزوح وعلاقتها بتغير المُناخ.
شارك في مناقشات الجلسات معالي صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي بمرافقة وفد المجلس ومعالي المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب بجمهورية مصر العربية، ومعالي دوارتي باتشيكو، رئيس الاتحاد البرلماني الدولي وعدد من رؤساء البرلمانات ووفود برلمانية من أكثر من 60 دولة.
كما شهدت جلسات الاجتماع إطلاق حملة الاتحاد البرلماني الدولي بعنوان: برلمانات من أجل المُناخ، والتي تهدف إلى حشد البرلمانات من أجل اتخاذ الإجراءات البرلمانية الكفيلة بمكافحة تغير المُناخ، كما طرح الاجتماع قضية المساءلة عن العدالة المُناخية والخاصة بعدم وفاء البلدان المُتقدمة وذات الانبعاثات العالية بالتزاماتها تجاه الدول النامية بشأن التمويل المناخي للتكيف مع تداعيات تغير المُناخ، وناقش الاجتماع أيضاً قضية تسريع وتيرة الانتقال إلى الطاقة النظيفة ودور البرلمانات في تحقيق هذا الهدف الحيوي، من أجل مستقبل مُستدام للعالم.
المصدر: الاتحاد