كاتب وناشط حقوقي، راعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف
قليلة هي الأصوات الحكيمة التي نسمعها هذه الأيام بل تصل لحد الندرة، وخاصة عندما تتناول الأوضاع الجارية في المنطقة. الأغلب يلهث نحو التعبئة والتحشيد والتهييج عبر ترديد العبارات التحريضية دون وعي أو دراية أو فهم، على الرغم من خطورة الأوضاع على مجتمعات المنطقة.
قرأت لبعض من كتب بصورة متزنة وموضوعية تدعو إلى الـتأمل والتفكير حول ما يجري في المنطقة أو حول آلية التعاطي السياسي والإعلامي مع الأحداث بصورة أكثر مهنية ومن بينهم الدكتور إبراهيم المطرودي والبروفوسور متروك الفالح والأستاذة أمل زاهد.
كما شاهدت جزءا من لقاء أجرته محطة الجزيرة مع المفكر السياسي الدكتور شفيق ناظم الغبرا وهو أستاذ معروف في العلوم السياسية في جامعة الكويت وخبير متميز سبق لي أن التقيته تكرارا منذ عدة سنوات في المؤتمرات العلمية التي تنظمها جمعية دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية.
تميز اللقاء بتجاذب حاد بين مذيع يحاول أن يدفع الضيف لتكرار الأفكار والمواقف التي يتبناها، وإعادة نفس السيمفونيات المتداولة من فكرة المؤامرة والتمدد الإقليمي، وتوزيع الولاءات للخارج، وبين مفكر شامخ يحلل الأمور بعقلانية وموضوعية واتزان.
الغبرا يؤكد أن ما يجري في المنطقة حاليا هو نتاج سياسات خاطئة في النظام السياسي العربي خلال العقود المنصرمة قامت على أساس التهميش دون أن تؤسس لدولة وطنية حقيقية، ونتج عن ذلك تحول هذه الفئات التي كانت مهمشة إلى قوى جمعتها العصبية وأصبحت متمردة على الأنظمة.
حدث هذا في السودان وسوريا والعراق واليمن وغيرها، وسيظل الوضع قائما ومتواصلا ما لم تعالج هذه الأزمة. ولهذا فهو يرى أن الأزمة اليمنية وغيرها من أزمات المنطقة محلية بالدرجة الأولى وحلها ينبغي أن ينطلق من حوار جاد وبناء بين مختلف القوى السياسية مهما كان التباين بينها كبيرا وحادا.
هل يعني ذلك عدم وجود أجندات دولية وإقليمية تعمل على فرض إرادتها في هذه البلدان؟ بالطبع توجد، وستظل قائمة ما دامت الأوضاع الداخلية في البلدان العربية هشة وضعيفة وغير متماسكة. هكذا يعبر الغبرا، ويؤكد أن سوء الأوضاع الداخلية وتدهورها في البلدان العربية هو ما يفسح المجال أمام النفوذ الأجنبي والإقليمي بشكل عام.
الحل المنطقي والعقلاني هو العودة إلى المعالجات الداخلية من خلال تنظيم الخلافات البينية، واحتواء مختلف المكونات المجتمعية عبر استيعابها وإشراكها في الشأن العام، وبناء دولة المواطنة التي تضمن الحريات والمساواة بين جميع مكوناتها.
وفي الوقت الذي يحذر الغبرا من أن خيارات الحرب البرية في اليمن قد تكون هدفا لبعض الجهات التي ترغب في استنزاف قوة المملكة وإضعافها، فإنه يدعو إلى قطع الطريق أمام ذلك عبر البدء في طرح مبادرات سياسية جادة للحوار البيني في اليمن لوقف النزيف ولجم الجماعات المتشددة والمنشقة وعدم توسعها.
مثل هذه الأصوات التي تعبر عن عقلانية في التعاطي مع الوضع المتأزم -على الرغم من قلتها- إلا أنها تشكل كابحا أمام هذا الهيجان الإعلامي والتواصلي المنفلت في الساحة، الذي قد يعود بالضرر على مجتمعاتنا أكثر من الفائدة المرجوة.
المصدر: الشرق
http://www.alsharq.net.sa/2015/04/23/1332858