كاتب إماراتي
يا لصباحات الرماد، والحزن الدفين، صباح لا يشكو إلا من رتابة الوقت، وسماكة الملل، وتلك الأخبار التي تزلزل القدم، صباح سيهزك بخبر وفاة مخرج جميل، وإنسان نبيل، «محمد خان»، واحد ممن قلبوا السينما المصرية، وجعلوها تنتبه لحالها، وتتفطن لمآلها، وأن الفن شيء مختلف عن هز البطون المشحمة، والكلام السوقي، وأن الحياة كَيف، ودخان أزرق، ونكات سائرة، «محمد خان» أيقظ السينما المصرية على واقعها المتردي، ونظرتها لواقع الحياة بنهايات سعيدة آخر الفيلم، ليرتاح جمهور «الترسو»، وينفس الفلاح عن ضيقه، ويجرب فصاحته، حين قدم أول أفلامه بعد تخرجه في «مدرسة لندن للفنون السينمائية»، «ضربة شمس» عام 1973 بطولة نور الشريف ونورا، اعتقدت أنه فيلم مقتبس أو مسروق على عادة السينما المصرية بعيداً عن ذكر القصة الأصلية، واسم الفيلم الأجنبي، وحتى ذاك الشقي الذي ابتكر المشاهد و«السيناريو» وسطوا على جهده، فقد رأينا أفلاماً أجنبية مستنسخة، إلا أسماء الأبطال فهي متغيرة، والتقنية الاحترافية غائبة، من ذاك الفيلم بدأت أنظر إليه، ومع آخرين مثل: «عاطف الطيب» و«يوسف شاهين» و«خيري بشارة» على أنهم يمكن أن يفعلوا شيئاً باتجاه السينما العالمية.
بين أول فيلم وحتى آخر فيلم لـ«محمد خان» «قبل زحمة الصيف» قدم 24 فيلماً، كتب 21 فيلماً منها، أسرته الفنية تتكون من الزوجة الكاتبة «وسام سليمان» التي كتبت سيناريو فيلمي «بنات وسط البلد» و«في شقة مصر الجديدة»، وابنته المخرجة «نادين خان»، من أفلامه المميزة: «أيام السادات» و«زوجة رجل مهم» و«خرج ولم يعد» و«الرغبة» و«الثأر» و«طائر على الطريق» و«موعد على العشاء» و«نصف أرنب»، و«الحريف» و«عودة مواطن» و«أحلام هند وكاميليا» و«سوبر ماركت» و«فارس المدينة» و«الغرقانة» و«يوم حار جداً»، وظهر في ثلاثة أفلام كممثل، وله كتاب «مقدمة في السينما المصرية»، ونال جوائز كثيرة باسم مصر، ورغم كل هذا العطاء الفني لم تعترف مصر بـ«محمد حامد حسن خان» على أنه مصري، رغم أنه ولد في القاهرة عام 1942 من أم مصرية، وأب باكستاني، وظل يحمل الجنسية الباكستانية والبريطانية حتى قبل سنتين، حيث منح الجنسية المصرية بعد صراع، وتدخلات، ومطالبات، ولوائح تحمل تواقيع الفنانين والنقابات المهنية، حتى جاء زمن المجلس العسكري، و«الرئيس عدلي منصور»، فصدر ذلك المرسوم الجمهوري!
«محمد خان» التقيته أول مرة في معرض القاهرة للكتاب قبل 27 عاماً، وآخر مرة كانت في مهرجان دبي السينمائي، لم يشعرني أنه مريض، ولكني أشفقت عليه من تعب واضح من الحياة!
المصدر: الإتحاد