مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
نحن نعيش في عالم كبير، يتسع باستمرار، ويميل للتعقيد أكثر، بالرغم من محاولات العلماء أن يجعلوه أكثر بساطة وراحة وأماناً! والتعقيد هنا، هو ذلك المعنى المادي والفلسفي.
الذي يعني: التشابك والكثرة والتنوع والاختلافات، وانسحاب اليقينيات لصالح الشك الثابت، والتشكيك المستمر، والصراعات المفتوحة على كل الجبهات والمستويات، والتباينات الفكرية، والثورات المتلاحقة في العلم، كما في العلاقات الإنسانية، وفي الحقوق، كما في بنية القوانين وعلاقات الأفراد والدول.
فهل صار الإنسان أكثر عقلانية وفهماً وسعادة، بعد كل هذا الذي تحقق له؟ أم أنه مُصرٌّ على السعي نحو الشقاء والجنون؟. تكشف لنا الحياة باستمرار، عن توجهات وأفكار ومساعٍ حثيثة لمضاعفة البؤس الإنساني، يقوم بها أناس على جانب كبير من العلم ومن النفوذ، لكنه العلم الذي لا يقود إلا للظلمة، والسلطة التي لا تؤدي إلا للشقاء، أناس يتخبطون في الفراغ، والطمع والجشع والجنون، الذي يدخل أصحابه في حالة من العمى، كالتي وصفها ساراماجو في روايته العبقرية (العمى)!
مدينة كاملة من العميان، بلا ضوابط، وبلا أخلاق، وبلا بصيرة! عدا سيدة واحدة فقط، نجت من هذا المآل البائس، فلماذا جعلها سيدة يا ترى؟ ولماذا ترك كل الشخوص بلا أسماء؟ وكيف انتهى العمى فجأة، وشفي الجميع؟ إن الرموز التي تحفل بها الرواية، تشبه تماماً حالة التخبط التي يعيش فيها العالم اليوم، وفي كل يوم يفقد فيها بوصلة إنسانيته وقيمه وعقله!
لقد وُجد العمى في غابات أفريقيا البدائية، كما في مدينة أفلاطون الفاضلة، وفي الصحراء، حيث يعيش البدوي الكريم الشجاع النبيل، الذي قد ينحر فرسه لضيفه، لكنه في ما بعد، قد يقتل ابن عمه انتقاماً، وقد يغزو جيرانه، تحت مبرر البقاء، كما قد يعرض المساجين والأسرى لمباريات بشعة مع الوحوش، مشهداً فرجوياً يستجلب الضحكات والفرح في مدن روما المتطورة.. فما الذي أنقذ هذه المجتمعات القديمة، وما الذي دمرها سوى العمى؟.
أؤمن أن للتحضر شروطاً موضوعية، لا علاقة لها بالجغرافيا والعرقيات! لكننا نحب أن نجلد أنفسنا، لا أكثر!
المصدر: البيان