
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
الفكرة الراسخة وغير القابلة للجدال التي جعلها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عنواناً لأحد أجزاء كتابه متضمنة في هذه العبارة: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، وهي عبارة فلسفية شهيرة للمفكر الفرنسي ديكارت، الذي عاش في القرن السابع عشر، وقد جاءت في كتابه «تأملات في المنهج».
لقد أراد ديكارت في سعيه نحو بناء منهجه الفكري أن يجد حقيقة لا يمكن الشك فيها، فوجد أن فعل التفكير نفسه دليل على وجود الذات المفكّرة، فيما بعد أصبحت العبارة حجر الأساس للفكر الحديث والفلسفة الحديثة؛ لأنها جعلت الوعي بالذات نقطة انطلاق للمعرفة، ومن هذا الوعي يتساءل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الصفحة (58) من الكتاب: هل زادت معرفة الإنسان وصغر عقله؟
لقد جاء هذا السؤال بعد اطلاعه على دراسة وصفها سموه بالمخيفة، أكدت أن تركيز الأطفال في المدارس تراجع إلى 7 دقائق فقط مقارنة بـ18 دقيقة. وجاءت ثورة المعرفة والتقنيات الحديثة لتضاعف حجم المعرفة وسرعة الحصول عليها، مع تناقص في مستويات التركيز، وهنا تكمن الخطورة؛ ذلك أن التركيز ضرورة لا يمكن التضحية بها إذا أردنا إنساناً مبدعاً مفكراً وقادراً على إنتاج المعرفة والتطور.
إن تراجع القدرات الذهنية والفكرية عند أجيال اليوم بسبب تكنولوجيا المعرفة يعني تآكل رصيد الدول والأمم؛ لأن هذه القدرات هي رأس مال أي دولة، وخط دفاعها الأول؛ ولذلك يؤكد سموه أن من أهم الأدوات التي يمكن من خلالها تقوية عقول أجيالنا الجديدة هي القراءة.
القراءة كما جاء في كتاب «علمتني الحياة» ليست ترفاً، وليست رفاهية ثقافية، وليست نشاطاً لا صفياً يحضره من يرغب من الطلاب، القراءة هي خط الدفاع الأول عن وجود الإنسان.
من هذا الوعي جاء الشغف بمشروع تحدي القراءة، الذي أطلقه سموه عام 2015؛ بهدف تحصين عقول الأجيال بالقراءة والوعي؛ كي لا تتآكل قدراتهم الذهنية وتتدهور معارفهم، ويتراجع تركيزهم بسبب التقنية التي لا يمكننا محاربتها، لكن يمكننا التحصن ضد مخاطرها؛ حتى لا نتلاشى أمام الآلة وسطوة التكنولوجيا؛ ولذلك يستخدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه العبارة: «أنا أقرأ، إذن أنا موجود»، كمبدأ وكفعل يتحدى خطر التقنية على عقول الأجيال ومستقبل الدول.
المصدر: البيان