تابعت كلمة حاكم قطر، في مجلس الأمن، وشعرت أنني أمام صلاح الدين الأيوبي في العصر الحديث. الرجل تحدث بلغة مرتبكة ومتشنجة عن قضايا الدنيا الفانية، وأسهب، واستطرد، وأفاض حول وضع الإنسان المظلوم في فلسطين، وأدان بشدة الاحتلال الإسرائيلي، وأعماله التعسفية وتنكيله بالشعب الفلسطيني، ثم تطرق إلى الإرهاب، وسعي حكومته في مجابهة هذا الطاعون في العصر الحديث.
حقيقة لم أكن أصدق أن هذا الرجل هو تميم بن حمد الذي نعرف جيداً علاقته بالكيان الصهيوني، كما واحتضان بلاده لأعتى فلول الإرهاب، وأشدها ضراوة على الإنسانية. شعرت أن هذا الرجل لا يعيش في زمن الفضاءات، المفتوحة، والتي لا تخبئ شيئاً في معطفها، ولا أسراراً يمكن أن تخفى على الناس، فالإناء مكشوف، ودخان الطبخات السرية يتطاير في كل الاتجاهات، والرائحة تزكم الأنوف، ولا شيء يمضي من دون جلجلة، فالأرض التي يمشي عليها تميم، وعرة وغير مرصوفة، والضجيج يصم الأذان، والغبار يغشي الأعين والسمعة نزلت إلى الحضيض. الممثل الذي استطاع على حين غرة أن يجذب الناس صار يمضغ نصاً مسرحياً ركيكاً وممجوجاً، ولا معنى له في زمن أصبح المواطن العربي، قد تشبع من النصوص الهزيلة والتي لم تعد صالحة، في زمن الوعي العربي، زمن أصبح فيه الكذب فقاعات، تذهب بها الرياح إلى أبعد عن سواحل الواقع. أمر مضحك أن يكذب الإنسان ولا يصدق كذبته إلا هو، ويظل يكذب، حتى تسخر منه نفسه، ويعرق جبينه من شديد المحاولة اليائسة لإدخال الثقة في قلوب الناس، ولا جدوى ولا فائدة لأن الكيل فاض والثوب الذي يرتديه الكاذب فضفاض، والمراهقة السياسية لم تعد خدم صاحبها، لأن العالم أصيب بالشيخوخة جراء رقصات الموت، والقفزات العشوائية، باتجاه المجهول. تحدث تميم عن مأساة الروهينجا في ميانمار، ولم تعنه، كثيراً مأساة أهله في المنطقة، الذين عرضهم إلى الأخطار، إثر فتح قطر الحبيبة لعتاة المجرمين والهاربين من القانون والمتزلفين والمتسلقين والمتسللين والذين في قلوبهم مرض، وغرض.
في كلمة تميم كانت رائحة الضعف، والهوان، والمكابرة تفوح مثلما تفوح رائحة جثث الضحايا الذين تسبب بوساطة منتسبيه في قتلهم وتشريدهم والإيقاع بهم في مناطق البؤس والأسى.
في تلك الكلمة، لأول مرة شعرت أن التمثيل يحتاج إلى مهارات، عالية، وأهمها أن يكون الممثل يعيش حالة الانفصام، والاحتدام الداخلي، ليتمكن من إجادة الدور، وتمرير الكذب، ولكن مع كل هذه الانزياحات القيمية نحن واثقون، من أن الوعي أصبح أكثر اتساعاً، من عدد حالات الكذب التي تمارس ضد الناس من قبل هؤلاء الممثلين، والذين سيظلون، منعزلين عن عالمهم، وشيئاً فشيئاً إلى أن ينقرضوا، ويلفظهم العالم، ويجعلهم نفاية من نفايات التاريخ.
المصدر: الاتحاد