خاص لـ هات بوست:
حدث الساعة هو كأس العالم، ربما كنا نحن سكان الكرة الأرضية، بحاجة لشيء من الترفيه يخفف ضغوط الحياة بعد وباء وأثناء حروب وقبل كوارث مناخية متوقعة. وربما نحن في المنطقة زاد اهتمامنا هذه المرة لعوامل عدة منها كون البلد المضيف عربياً، ومشاركة بعض الدول العربية، ثم تقدم المغرب.
بداية في هذا المجال علينا أن نحمد الله أن الفقه قد أجاز هذه اللعبة، رغم قلة قليلة وجدت أن فيها “تشبهاً بالكفار”، ورغم اشتراط عدم شغل اللاعبين عن الصلوات، والتزامهم باللباس الشرعي، إلا أن الغالبية قد رأت فيها تقوية للجسد فلا بأس، وهذا بحد ذاته جدير بالثناء.
إسلامياً، برأيي ليس المطلوب تحميل الموضوع أكثر مما يحتمل، فالحدث رياضي ترفيهي لا أكثر ولا أقل، يمكننا النظر إليه كتدافع إيجابي بين الشعوب، توضع خلاله النزاعات جانباً، ويتم التعامل بود وبروح رياضية كما رأيناها بين اللاعبين، بغض النظر عن أديانهم وثقافاتهم وعاداتهم، وهو لن يكون منصة للدعوة إلى الإسلام إلا بقدر ما يتصرف المسلمون بطريقة حضارية تعكس القيم التي يحملونها، فإذا كان ديننا يوجهنا بكل الأحوال نحو {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فما بالكم في مجال اللعب؟
وإذ يعتبر التأقلم مع الظروف ذكاءً اجتماعياً، إن لم يكن في علم النفس، فهو كذلك في ما يسمى التنمية البشرية، فنحن “المسلمين” متفوقون في هذا المجال، نستطيع أن نقنع أنفسنا بكون الأمور تسير لصالحنا دائماً.
فإن أقبلت فالبدر لاح وإن مشت فالغصن راح، إن ربحنا هو رضا من الله تعالى، وإن ربح غيرنا فهو متاع في الدنيا لا معنى له، سجودنا عند الربح تقوى وصلواتهم عند ربحهم رموز مرفوضة، عناق لاعبينا لأمهاتهم بر وسبب الربح، فإن خسرنا لا أعلم أين تذهب دعوات الأمهات؟
من منا لم تسحره صورة اللاعب المغربي وأمه تعانقه وترقص معه احتفالاً؟ لكن كم هو جميل لو أن فرحنا لا يترافق مع ذم الآخرين والمقارنات المجحفة، لو أننا نعمل بوصية الله تعالى {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} فنرى أن هذا الفرح إنساني يمكنه أن يكون في كل زمان ومكان، وفي أي توزيع جوائز نرى الرابح يشكر أهله مهما كان عمره، ولو أننا نفعّل المنطق في الحكم على الأمور حينها لن نبحث عن مبررات عند الخسارة، فالمنتخب الخاسر من بين منتخباتنا لم يكن عاقاً لأهله، وليس بالضرورة أن الله غير راض عنه، ونحن إذ نؤمن أن ما يصيبنا من خير فهو نعمة من الله تعالى، علينا أن ننظر إلى الشق الآخر وهو السوء الذي قد يصيبنا من أنفسنا ونبحث عن الخلل.
فالله تعالى يستجيب لدعائنا لكن إذا عملنا على الأسباب، فلن يربح المباراة فريق لم يتدرب جيداً، فإذا تدرب قد يوفقه الله في الفوز، وهذا التوفيق ليس حكراً على فرقة دون غيرها، فآليات الاستجابة لا نعلمها، وآليات الاختيار بين متعادلين أيضاً لا نعلمها، كل ما نعلمه أنه علينا العمل ثم التوكل على الله، والموضوع على ما فيه من فرح لا يعدو كونه لعب وهو ليس معركة بدر ولا يستحق {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}، ولا يستحق من ثم اعتبار أن الله خذلنا حين الهزيمة.
في السياق نفسه، اعتبر الكثيرون أن هذا المونديال فرصة للدعوة إلى الإسلام، وانتشرت عبر وسائل التواصل مقاطع تظهر أجانب ينطقون الشهادتين بناءً على طلب أحدهم في الطريق، أو إمرأة أجنبية تسلم رأسها لأخرى تضع عليه غطاءً ويضحك الجميع في موقف فولكلوري، وهذا كله تحت شعار إنقاذ هؤلاء من الخلود في النار!
أستغفر الله العظيم وأعتذر من رسوله (ص) خجلاً من اختزال الإسلام على هذه الصورة، الإسلام الذي يضم تحت جناحيه كل من آمن بالله وعمل صالحاً، كل من دعا إلى الله الذي وسعت رحمته كل شيء، الدين الخاتم الذي جاء رحمة للعالمين، لا يمكن أن يختصر بجملتين وقطعة قماش، ولا أحد يعلم من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار، فلندع الخلق للخالق.
أتمنى من كل قلبي حين سينشر هذا المقال أن يكون الفريق المغربي قد حقق الفوز، ويقيني أن الله دائماً مع الأمهات أينما كانوا، لكنه سيكتب النصر لمن لعبه أفضل.