تمر السنون وتمضي، لنجد أن ما ورد في كتاب للبروفيسور «كيشور محبوباني»، «ما بعد عصر البراءة»(Beyond the age of innocence) يجسد لنا كل التداعيات المرتبطة بحادثة الفيلم المسيء لأشرف خلق الله جميعاً المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما يعيد للأذهان إسقاطات حقبة التسعينيات والآثار التي صاحبت قنبلة البيروسترويكا، التي فجرها غورباتشوف وبها انتهى عصر الحرب الباردة وانفتح الباب على مصراعيه لدخول تيار العولمة، كما ظهرت في الأفق طلائع النظام العالمي الجديد، بزعامة القطب الأوحد الولايات المتحدة الأميركية.
وكأن«محبوباني» قد تنبأ بالمستقبل، بعد قراءته الموضوعية لمسار خط التاريخ السياسي للعالم المعاصر، في وقت ظن الناس فيه أنه ومع نهاية الحرب الباردة سيشيع السلام، وستشهد البشرية استقراراً مصحوباً بنشر مبادئ الديمقراطية. وسيادة مفاهيم حقوق الإنسان والشفافية والاستدامة؟!.
يقول المؤلف: للأسف مع طلائع الألفية ومع بداية خريف السنة الأولى، نفاجأ بحادثة المركز التجاري العالمي في منهاتن، فإذا بكل الموازين تتبدل، وبدأت ملامح صورة جديدة للعالم تتشكل عندما رفعت أميركا العصا الغليظة في وجه عدو جديد أطلق عليه جزافاً «الإرهاب الدولي»، فإذا بالعالم كله يصاب بحالة اضطراب، فشعرنا أننا نساق قسراً إلى حيث لا ندري ولا نعلم.
اعتزام النائب الهولندي اليميني المتطرّف، خيرت فيلدرز، تنظيم مسابقة دولية حول رسوم كاريكاتيرية تسيء للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يستضيفها مقر البرلمان الهولندي قبل نهاية العام..الأمر الذي استفز مشاعر الملايين من مسلمي شتى بلاد العالم، الذين خرجوا للتعبير عن استيائهم واستنكارهم لهذا العبث الذي خططت له الصهيونية العالمية، بغرض الإساءة للعرب والمسلمين، فلم يجد سوى الرفض والاستهجان، اليميني المتطرف المدعو «فيلدرز» دائم التصرفات المشينة والمستفزة للإسلام والمسلمين، وقد سبق لفيلدرز أن قام بحركة استفزازية عرض فيها علم المملكة العربية السعودية الشقيقة.. ونزع منه الشهادتين وكتب عليه عبارات مسيئة للإسلام، الأمر الذي جعل رد الفعل السعودي وقتها سريعاً بوقف العديد من المعاملات مع الشركات الهولندية.
وتحديد عدد التأشيرات طالما لم تحترم قوانين هولندا حق الدفاع عن المعتقدات الدينية واحترام حريات الشعوب بدون طرح عنصري متجن يتحدى مشاعر أكثر من مليار مسلم، وقد يتساءل المسلمون وباستغراب من ادعاءات «الحرية الشخصية والتي تزعم هولندا أنها حق مشروع» نعم «تكون حقا مشروعا ولا اعتراض عليها في حدود العقلانية والمنطق السليم والمفاهيم المتعارف عليها؛ ولكن إذا كان يوجد في صلب دساتيرها مكافحة التمييز العنصري، وإدانة أي نشر للعداوات والكراهية، فكيف تصنّف هولندا سلوك «فيلدرز» الذي يقود تكتلاً حزبياً له جمهور متأثر بأفكاره وأطروحاته، أسوة بأصحاب الدعوات الشبيهة، والتي سعت لاستفزاز أصحاب الأديان بأعمال أقرب للهمجية بالحرية الشخصية؟!..للعلم، إن نطاق حرية التعبير ليس مطلقا كما هو منصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والأهم من ذلك أن المادتين 19 و 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينصان بوضوح على أن حرية التعبير ليست حرية وحقا مطلقا، حيث تقتضي ممارستها واجبات ومسؤوليات خاصة لضمان التماسك المجتمعي وكذلك احترام حق وسمعة الآخرين»!
وقد استنكرت وادانت الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان بمنظمة التعاون الإسلامي الخطة الخبيثة للبرلماني الهولندي خيرت فيلدرز لإجراء مسابقة دولية حول رسوم كاريكاتورية «للنبي محمد صلى الله عليه وسلم» في وقت لاحق من هذا العام.
ودعت الهيئة الحكومة الهولندية إلى اتخاذ خطوات عملية فورية لمنع هذا الاعتداء التعسفي الذي يمس الحساسيات الدينية لأكثر من 1.6 مليار مسلم حول العالم. مؤكدة أن هذه المسابقة يمكن أن تؤدي إلى إشعال وتعزيز ثقافة التعصب والتحريض على الكراهية.
ووصفت هذه المنافسة التدنيسية المخطط لها بأنها محاولة واضحة للسخرية من شخصية مبجلة وسعيا متعمدا للتحريض على الكراهية الدينية والتمييز ضد المسلمين ما يعتبر انتهاكاً واضحاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مطالبةً الهيئة الحكومة الهولندية بأن تتخذ خطوات عملية فورية لمنع هذا الحدث وحماية الحساسيات الدينية والثقافية الخاصة لمسلمي هولندا والمسلمين في شتى أنحاء العالم والحفاظ على الانسجام المجتمعي للمجتمع الهولندي…
إن تأكيد الحكومة الهولندية على النأي بنفسها عن مسابقة المدعو فيلدرز المخطط لها ليس كافياً، حيث انه من واجب كل دولة أن تحظر بموجب القانون أية دعوة للكراهية الوطنية أو العنصرية أو الدينية والتي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
إن تزايد مستوى كراهية الأجانب والتعصب في أوروبا على وجه الخصوص وفي العالم أجمع لا يمكن مواجهته إلا من خلال تعزيز ثقافة التسامح، واحترام التنوع الثقافي والديني، وتشجيع الحوار بين الأديان والثقافات على جميع الصعد وبكافة الاتجاهات.
المصدر: البيان