كنا في الماضي نستعد لصيف حار، رطب، خانق، وكان المهاجرون ينتظرون لحظة الصفر الساخنة حتى يعودوا أدراجهم ويتركوا المكان خالياً من ألوان الفسيفساء، والمحلات التجارية يهش أصحابها الذباب.
أما اليوم فكل شيء تغير، وكل الأماكن تبدو مزدهرة بالوجوه الزاهية، والأصوات المخملية، وبريق العيون يطل عليك مثل لآلئ على كف بض.
لماذا يا ترى؟ لأن الإمارات (غير)، ولأن صيف الإمارات مكيف بخدمات، وبنى تحتية غنية بكل موارد الحياة، وكل ما تشتهيه النفوس، وتهواه القلوب، فلماذا يغادر هؤلاء، وهم يعيشون أيامهم الأحلى في بلد يغذي مشاعرهم بالبهجة، وينمي في أرواحهم سؤدد الراحة والفرح، والأمن الذي يطلبونه ولا يجدونه إلا في الإمارات.
هذه هي سمة الحياة في بلادنا، وهذه هي الصورة الجلية على أرضنا، فالأماكن التجارية العملاقة توفر كل أسباب الراحة، والمتعة، تجد الناس ومن مختلف الجنسيات ينعمون بربيع الهواء الناعم، تنفثه سقوف أشبه بسماوات رفيعة المستوى، زرقاء، منقطة بنجوم المصابيح الرخية، والنوافير ترقص أهدابها الفضية بخيلاء، وزهو، وفخر، وعز.
عندما تدخل أحد هذه المحلات العملاقة، تصافحك وجوه من ابتساماتها تقطف أنت المعنى بالجمال، ثمرات الغيث الإماراتي الرهيب، وتمضي وفي قلبك شذا داهمك على غفلة، فصحت في داخلك نوازع شتى، أهمها أنك تعيش في خريف العمر، حياة فتية، تنعشها هذه المناظر السخية، فتنتشي فيه الدماء، وترقص ذاكرتك محيية هذا الزمان، زمان الإمارات التي أدهش القاصي والداني، لجماله، ودلاله، وكماله، واستدلاله على معطيات الحضارة، والوصول بالناس إلى شغاف الغيمة، وفي قلب النجمة.
في صيفنا تنمو الأزهار محتفية بربيع غير ربيع البلدان الأخرى، إنه ربيع العقول التي روضت حتى حرقات الصيف، وجعلتها تمر بسلام ومن دون إزعاج، أو ضجيج.
جميل هذا الوطن، أسئلة تلك الأفكار النيرة التي هذبت أواصره، وشذبت جدائل أخلاقه، ليصير في العالمين الدر النفيس التي تهواه النفوس وتأبى مغادرته، وترفض أن يكون لها وطن غيره، أو سواه، لأنه الوطن الأوسع في المعاني، والأرحب في القيم، والأسري صدراً في استقبال الضيوف، واحتضانهم، وتوفير كل ما تهواه قلوبهم، وكل ما ترومه أفئدتهم.
المحلات التجارية الفخمة، بيوت زوارها، ومنازل ألفة وسعادة، وهي موائل خير، وحلم الذين يحلمون بالنعيم، فلا يجدونه إلا هنا، في قلب الإمارات، في فيحاء الوجود، وواحة الكون الرحيبة.
حفظ الله الإمارات، ورعى أهلها بالأمن والسلام والخير.
المصدر: الاتحاد