في الصين: التنمية أولاً

آراء

في التجربة التنموية الصينية المذهلة، تأتي التنمية أولاً. والتنمية هنا شاملة في مفهومها وأساليبها. فبناء مؤسسات رقابية شديدة الصرامة في أدائها من أساسيات التنمية. وإن كانت قراءتي التجربة الصينية دقيقة فإن معادلة التفوق الصيني تقوم على التالي: حسن ظروف معيشة الناس أولاً. أعطهم فرصة جيدة للتعليم الجيد. درّبهم على أفضل طرق الإبداع والابتكار. غيّر نمط حياتهم نحو الأفضل. ادعم التوجه نحو بروز طبقة متوسطة. أنفِق بسخاء على البنى التحتية. ابنِ في الأرياف والمناطق النائية ما تبنيه في المدن الكبرى. وعندها تحقق مشروع التنمية الشاملة.

الملاحظ أن الخطاب الصيني –في العموم– يقرن التنمية الاجتماعية بالتنمية الاقتصادية. فإن لم تكن التنمية الاقتصادية من أجل تنمية المجتمع فستتحول مع الوقت إلى وجه قبيح للرأسمالية كما نرى اليوم في بلدان نامية كثيرة. الملاحظ أن الصينيين قد حسموا الأمر منذ زمن وقرّروا الانفتاح «المتزن» على العالم. لكن طموحهم كان ومازال أن يمتلكوا مقومات الدولة المتفوقة. فالانتصار في سباق الأوائل خارج الحدود مشروط بنجاح تجربة الداخل.

لا يمكنك أن تكون قوياً خارج منزلك إن كنت ضعيفاً داخله. لكن ثقة الصيني اليوم في ذاته لم تأتِ من فراغ. إنه يرى استثمارات بلاده تطوف العالم كله. ويرى بنفسه نتاج خطط التنمية العملاقة تؤتي ثمارها داخل الوطن، مما انعكس على نمط حياته. ولكي ينجح الصيني في مشروعه التنموي لابد أن يتحلى بروح منفتحة على الآخر، وأن يمتلك أدوات التواصل مع العالم. وهذا ما لمسته خلال زيارتي. جيل الشباب الذين ألتقي بهم في الأسواق والمؤسسات يتحدث الإنجليزية. إنهم يمتلكون رؤية واضحة وثقة لا نظير لها تجاه المستقبل. وبمشروع التنمية العملاق استطاعت الصين توظيف الرقم المخيف، مليار و300 مليون نسمة، إلى «مشروع» صيني ضخم تتفوق به الصين على اقتصادات العالم.

من يمتلك الرؤية الواضحة لن يعدم آلية تحقيقها. هكذا تبدو لي التجربة الصينية الراهنة!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٩٠) صفحة (٣٢) بتاريخ (١٩-٠٩-٢٠١٢)