مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
لا يشكن أحد في أن السخرية معنى واسع جداً، ولا نهائي، فالسخرية ليست معنى ضيقا وبسيطا كما قد يعتقد البعض، بل هو معنى متعدد وشمولي، يصل إلى حد التناقض أحياناً بمعنى أنه معنى حمّال أوجه، كيف؟ أولاً لأن السخرية سلوك منبوذ، بل ومحرم، فكل الأديان والمبادئ والتوجهات التربوية تنهى عنه، وتحض على تجنبه، كما في ديننا (لا يسخر قوم من قوم).
والسخرية تيار فني عظيم الأثر، لجأت إليه مسارح وفرق فنية كبيرة، لتعبر عن مواقفها المعارضة: السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، بشكل يجعلها تقول رأيها بحرية، وفي نفس الوقت تكون في مأمن من العقوبة! وهذا ما يطلق عليه علماء السلوك السياسي «المقاومة بالحيلة».
لماذا نسخر؟ عادة لأن هناك ما لم يعجبنا، أو لأن لدينا موقفاً أخلاقياً من أمر ما، ليس بالضرورة أن نكون محقين حين نسخر، فقد يسخر قوم من قوم، وأطفال من أطفال، ونساء من نساء، يكونون أفضل منهم، لكن لماذا كل هذا التحريم للسخرية؟ فالدين يعده إثماً، والنظام الاجتماعي يعده تنمراً، أما أخلاقياً فهو سوء أدب؟ لأن السخرية مدمرة، وجالبة للكثير من المآسي للشخص، الذي يتعرض لها.
من زاوية أخرى فقد منعت السلطة رواية ميلان كونديرا «الضحك والنسيان»، لأنها تسخر من الحكم الشيوعي يومها، واعتُبرت روايته النوفيلا «حفلة التفاهة» حفلة سخرية ضد ستالين، وفي المجمل فإن الأدب قد وظف السخرية توظيفاً مؤثراً في الجماهير، باعتباره أدب مقاومة أو أدب موقف، إن أفضل وأشهر الكتاب الساخرين في بريطانيا برنارد شو، وفي العالم العربي أحمد رجب، ومحمود السعدني، وغيرهم كثر، كلهم قدموا رؤى سياسية عميقة، ولكنها ساخرة!
قديماً يمكن اعتبار كتاب «البخلاء» للجاحظ أول الكتب، التي فتحت وعي العرب على خطورة وأهمية الأدب الساخر، لما تضمنه من سخرية من البخلاء ونزواتهم وأسرارهم وأخلاقهم، وفي وقتنا الراهن يعتبر كتاب «النكتة السياسية لعادل حمودة» واحداً من الكتب الشهيرة في فن السخرية.
المصدر: البيان