الأسبوع الأخير من العام الميلادي هو الأسبوع العالمي للسعادة والسرور. المسيحيون يحتفلون بذكرى ميلاد السيد المسيح، وغيرهم يحتفل بالعام الجديد. وبقية الناس يتفرجون على هذا الحراك البهيج، مسرورين بهذا المهرجان الكوني.
أنا واحد من أقلية صغيرة على مستوى العالم، اختارت هذه المناسبة على وجه الخصوص، كي تشغل نفسها بتكرار الجدل القديم الذي عنوانه: هل يجوز تهنئة النصارى بيوم الميلاد وسائر الأيام التي يتخذونها مناسبات للسعادة العامة؟
إني واثق تماماً أنكم ستسمعون من يذكركم بهذه المسألة العتيقة في الأسبوع القادم. هذه عادة ابتدعناها ثم استأنسنا بتكرارها في نهاية كل عام. وقد زاد التأكيد عليها خلال نصف القرن الأخير، حتى بات الواحد منا يظن أن أسلافنا ما كان يشغلهم شيء في مثل هذه الأيام، سوى التأكيد مجدداً على الحدود الفاصلة بينهم وبين جيرانهم المسيحيين.
أما الداعي لهذا الحديث، فهو رغبتي في دعوة القراء الأعزاء للتخلي عن هذه العادة التي رسختها نزاعات السياسة، حتى غدت ديناً أو شبه دين.
والصحيح أن العلاقة بين بني آدم ليست مسألة دينية على الإطلاق. بل هي مسألة أخلاقية بسيطة، يدرك كل العقلاء موقعها من سلم القيم وحكمها الأخلاقي. كلنا نفهم بالفطرة أن الله خلق البشر كي يتعارفوا ويتعايشوا بالمعروف. وحين يكون جارك مختلفاً عنك، فالأولى أن تداريه وتحسن إليه، مهما كان دينه أو عرقه أو لونه. وإذا كان عدواً لك، فسوف تتباعد عنه كي تتلافى الصدام معه. هكذا يأمر العقل وهكذا يتصرف العقلاء.
ومع وضوح المسألة وكونها من البديهيات، فليس ثمة حاجة لحكم شرعي. بل لو حكم الشارع فيها على نحو المنع أو الإلزام، لكان تكلفاً وقولاً زائداً في غير ضرورة. ولو جاء بخلاف حكم العقل، لأنكر العقلاء صدوره عن خالق العباد، الذي جعل العقل حجة عليهم.
كنت قد أثرت هذه المسألة في وقت سابق، فسألني قارئ عزيز: إذا كان الأمر بهذا الوضوح، فلم اجتمع الكثير من قومنا عليه؟
وقد أخبرته يومها أن القائلين بذلك الرأي الغريب أقلية على مستوى العالم. ثم إن التشارك العاطفي جزء من فطرة الله التي فطر الناس عليها. لهذا ترى أن الإنسان ينفعل بشكل عفوي، حين يرى الفرح أو الحزن على وجوه الآخرين، حتى لو لم يعرفهم. بل إن إظهار الشماتة أو الفرح في أحزان الآخرين، ومثله إظهار الحزن في أفراحهم، يعتبره كافة العقلاء علامة للضعة وسوء الخلق، لأنه نقيض الفطرة والطبيعة الخيرة.
والذي أميل إليه أن ذلك الميل لاستنكار المشاركة في أفراح الآخرين وأتراحهم، الدينية منها والدنيوية، جزء من توجه أوسع محوره الانكفاء على الذات خوف التأثر بالغالب.
زبدة القول إن تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، وتهنئة بقية الناس برأس السنة الميلادية، ليست مسألة شرعية، ولا يتعلق بها حكم شرعي، حتى القول بأنها حلال. ولذا فهي ليست مما يطلب فيه رأي الفقيه. ولو سئل وأجاب فجوابه ليس فتوى، بل حديث في موضوع عام، لا يحتمل الإلزام ولا التحريم.
إني أرى في مشاركة الآخرين أفراحهم سبباً لتعميم السلام والسعادة في الكون. ولذا أدعو كافة القراء الأعزاء لتهنئة معارفهم من غير المسلمين، في أعيادهم ومناسباتهم، والتخلي عن تلك العادة التي لا يقبلها العقل ولا تنسجم ودواعي الفطرة السليمة.
المصدر: الشرق الأوسط