كاتب إماراتي
«علاء نصّار» فنان مصري، برؤية مختلفة في فن الإخراج الصحفي عن المدرسة التقليدية، له لمسة جمالية لا تخطئها العين، ولا يمكن إلا أن تسجل نقطة لصالحه من أول لقاء، إن كنت صحفياً وعاملاً في بلاط صاحبة الجلالة، ولك تلك النظرة الفاحصة والمهنية، وهذا مدعاة لمعرفته والتعامل معه، واحترام عمله وتقديره، غير أن «علاء نصّار» إضافة لذلك هو شخص جميل وإنسان هادئ ودافئ وطيب بكل معنى الهدوء والعِشرة الطيبة والتركيز في جودة العمل والحرص على روح الأخوة والزمالة، وكثيراً ما يمنعه حياؤه من رد الإساءة أو محاولة النيل من الآخر، لأنه ببساطة دون أعداء يصنعهم، وأكبر من أعداء يصنعون أنفسهم في طريقه، هو دائماً خارج حسابات الغيرة المهنية، لأنه واثق من نفسه، ومن عمله، ولا يحب أن يكون له أعداء بالمطلق.
عرفته من مؤسسة الأهرام، وأثناء الكتابة في مجلة «نصف الدنيا» التابعة للأهرام، ورئيس تحريرها «سناء البيسي»، بعدها زاملني في العمل مع مجلة «المرأة اليوم» وكل مطبوعات المؤسسة العربية للصحافة «الرجل اليوم» و«أطفال اليوم» و«عيناوي» وغيرها، وحين انتقل إلى جريدة الاتحاد، كانت لمسته الجميلة واضحة على صفحات الجريدة، خاصة في الصفحة الأولى، والصفحة الأخيرة التي نسميها «الصفحة الأولى الثانية» لما لها من خصوصية، أخذته من اهتمامات الناس، ومن يحبون أن يقرؤوا الجريدة بطريقة معاكسة.
كنت على صلة بـ«علاء نصّار» بشكل يومي، فهو يذكرني إذا ما كانت هناك مناسبة عامة تخص الصفحة الأخيرة لكي يكون ذلك التناغم الجميل والمتأنق فيها، ويذكرني مع زملائه حين أتأخر في إرسال العمود على غير العادة، مثل أن لا أدرك فرق التوقيت بين الإمارات والمدينة التي أنا فيها أو أن يكون العمود جاهزاً، وأنسى ضغط زر الإرسال معتقداً أنني أرسلت العمود أو لأي سبب تقني خارج نطاق التغطية، كان يكفي أن يرسل رسالة قصيرة جداً، «يا رَيّس»! فأفهم الموضوع، وفي شهر رمضان «المقابسات» يوسع لي من رقعة العمود الثامن، ليأخذ راحته واستراحته في الشهر الفضيل.
قد لا تصدقون في نفس يوم وفاته المفاجئة، وكعادته اليومية كان يرسل لي جريدة الاتحاد وأختها الإنجليزية، بصورتها الإلكترونية، لكنه فجر ذلك اليوم أرسل لي الجريدة الإنجليزية وملحق الاستدامة، دون جريدة الاتحاد التي أقرؤها في ليل متأخر أو فجراً، فقلت: «شو فيه علاء نصّار اليوم»؟
لم أدرك أنها ستكون آخر رسالة منه، وأن «علاء نصّار» على غير عادته، ليس بخير، وأن آخر نسخة من الجريدة أخرجها، لم تصلني منه، وفي نهار ذاك اليوم كنت أتصفح هاتفي فوجدت نعياً، فاعتقدت أن «علاء نصّار» ينعى شخصاً من زملائه في مصر، فانقبضت نفسي، لكن قلّبت صفحات هاتفي، وانتقلت لمواضيع أخرى، لا أدر لِمَ في المساء عدت للنعي لأقرأه من جديد؟ وكأن أحداً كان يريد أن يكسر أضلع قفصي الصدري، لم أصدق حتى بعد أن قرأت النعي أكثر من مرة، فاتصلت بزملائه في الاتحاد لأتأكد، فأدركت ذهولهم وفاجعتهم وعجز تعبيرهم، أغلقت الهاتف لا أريد أن أصدق أن ذلك الرجل الطيب، الهادئ، والدافئ رحل بهدوء دون أن يودع أصدقاءه بطريقته الخاصة! ولا برسالة موجزة على الأقل، «مع السلامة يا رَيّس»!
المصدر: الاتحاد