كاتب إماراتي
من الواضح جداً، أن القيادة السياسية في دولة قطر الشقيقة، التي تدير أزمة مقاطعة الدول الخليجية والعربية بوساطة اختلاق «أزمة» جديدة، أنها لا تسعى لمصلحة وطنها ولا شعبها، مع أن هاتين الخدمتين أمتع عملين يمكن أن يقوم بهما أي سياسي مخلص لبلاده، وبهما يدخل سجل الخالدين، لكن يبدو أن لهث هؤلاء القادة وراء الانتصارات الإعلامية اللحظية والمصالح الشخصية والأحلام السياسية بأن يكونوا مؤثرين في الإقليم، حتى ولو كان هذا التأثير من النوع السلبي الذي يدمرهم تاريخياً ويصنع الخراب والإرهاب في العالم.. يطغى على سلوكياتهم، في حين أن الأزمة تحتاج إلى مبادرة شجاعة لكسر الاحتقان السياسي والقبول بالمطالب الخليجية التي ستصب في النهاية في مصلحة دولة قطر نفسها.
وبينما تمنى الخليجيون (سياسيون وأشخاص عاديون) أن تفاجئهم القيادة القطرية بالموافقة على الـ13 بنداً التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين ومصر، بعد تمديد المهلة الممنوحة لقطر 48 ساعة إضافية، بناءً على طلب من سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، استمر صانعو القرار القطري على المكابرة والتعنُّت السياسي برفضهم لتلك المطالب عوضاً عما يمكن أن يعيد الأوضاع الخليجية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة المستمرة لأكثر من شهر.
الحكومة القطرية لم تفهم حتى الآن مخاوف الأشقاء وقلقهم من تبعات ما تقوم به من مكايدات لا يمكن وصفها سوى بأنها «مراهقة سياسية»، رغم كل المحاولات لثني الدوحة عن تجمُّدها السياسي غير المجدي من خلال الإصرار على استضافة قيادات من «الإخوان المسلمين» ومن خلال التودد إلى تركيا وإيران، وآخرها مناصحة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبي، في قصيدة «الدرب واضح»، الأسبوع الماضي، فبدلاً من تنفيذ المطالب العربية وحل الأزمة في الإطار الخليجي أو التخفيف من شدتها، عملوا على معالجتها بأزمة أخرى أكبر ربما تفتح آفاقاً أكثر خطورة، وذلك من خلال التقرب إلى دول لها مشروعاتها السياسية في المنطقة، فمحاولات إيران لإخراج الأزمة من الإطار الخليجي تحمل نوايا غير صادقة، حيث إن «التدويل» سيعمل على اندلاع مشاكل أكبر بين دول المنطقة ربما تكون غير مسبوقة في دول الخليج، وستنقلب في غير صالح القطريين والخليجيين، وهذا بالطبع سيكون أفضل هدية من القيادة القطرية تقدمها للنظام الإيراني من أجل تعزيز نفوذه في المنطقة بعدما ضيَّق عليه الخناقَ التحالفُ العربيُّ في اليمن.
لا مفر للحكومة القطرية من الخروج من عقدة الانتصار الإعلامي الوهمي الذي اعتادت عليه في فترات سابقة، ولا مفر من انتهاء عقدة أن يكون لها دور سياسي أكبر في المنطقة، قفزاً على عامل المساحة والديموغرافيا، في ظل واقع استراتيجي دولي وإقليمي جديد يسعى الجميع فيه إلى القضاء على أسباب الفوضى، وأهمها «الإخوان المسلمون»، ودور إيران.. كما يطالب قطر بالبحث عن الاندماج الكامل ضمن سياسات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهذا إطارها ومحيطها الجغرافي الذي ينبغي أن تدور فيه سياسياً وشعبياً.
والحقيقة أن الطريقة التي يتصرف بها صانعو القرار في الدوحة يشوبها «خطأ» فادح، ذلك أنهم لا ينظرون إلى مصلحة الدولة القطرية، بل من الواضح أنهم يستخدمون منهج «أنا ومن بعدي الطوفان»! ومع أنه منهج ما عاد موجوداً في الأدبيات السياسية التي تصف السياسة بأنها «فن الممكن»، فإنه أيضاً لا يصلح عملياً ولا يمكن استخدامه بين الأشقاء في دول الخليج. والمخيف في هذا الأسلوب أنه يبدأ بعدم الرغبة في الخروج من الأزمة من خلال «المكابرة» إلى عدم القدرة على الخروج منها، نتيجة «لتشعب» المواقف السياسية المرتبطة بالمصالح الدولية، كما هو الحال في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وبالتالي تبقى الأزمة لفترة طويلة بلا حل وربما تزداد تعقيداً!
الأمر يحتاج شجاعة سياسية من القيادة القطرية، ليس لأن أغلب المطالب يتفق عليها الكل، كونها تمنع تهديد استقرار العالم، ولكن (وهو الأهم) لأنها تنبع من الحرص على مصلحة دولة قطر وشعبها، لأن هذا هو الهدف النهائي لكل سياسي وطني في العالم، كما أن العودة السياسية لصياغة تستوعب ما يخططه الآخرون للمنطقة منذ عام 2003، أمر لا محيد عنه داخلياً للقيادة القطرية، فهناك قناعة عربية بأن تماسك الإقليم الخليجي في الوقت الحاضر هو «صمام أمان» للعرب، بل هناك رغبة من السياسيين العرب بأن تقوم دول الخليج بدور سياسي يحافظ على الوضع العربي الذي تمزق نتيجة للفوضى التي أثبتت المعلومات أن قطر ساهمت فيها بقوة.
الفرص التي جاءت لحكومة قطر كثيرة، وآخرها مهلة 48 ساعة، لكن يبدو أنها لا تريد استغلالها، وذلك بتعنتها السياسي، مع أن الاتهامات ضدها ثابتة وصحيحة، إذ ظلت الدوحة ضد الأمن الوطني الخليجي والعربي، بل ما فتئت تعمل على مضاعفة حجم الخصومة السياسية، فبدلاً من احتواء القيادة القطرية للأزمة، يزداد ضجيجها وارتماؤها في أحضان أخطر دولتين على الأمن القومي العربي، أي تركيا وإيران.
المصدر: الاتحاد