كاتب إماراتي
حين تمارس وسيلة إعلامية تشويهاً للحقائق، وتحاول أن «تدلس» على الرأي العام ومتابعيها، كما فعلت قناة «العالم» وغيرها من المواقع الإعلامية التابعة لإيران مؤخراً حول حجم خسائر القوات الإماراتية في اليمن، فإنه ينبغي علينا أن نبحث عن الأسباب التي دفعت بها إلى هذا السلوك، وأن نطرح تساؤلات إنْ كان هذا «الحماس» في نشر مثل هذا الخبر هو نتيجة للتعبئة الأيديولوجية الإيرانية أم أنه جاء نتيجة لتطورات الوضع السياسي على الأرض في المنطقة، وأن ما تفعله هذه الوسائل الإعلامية هو محاولة «إنعاش إعلامي» لخسائر في التأثير السياسي والعسكري على الأرض اليمنية، وأغلب التقارير تشير إلى التفسير الثاني، وأنا أميل إليه.
لقد اعتدنا من وسائل الإعلام الإيرانية أو من تلك التي يمولها النظام في إيران، مثل قناة «المنار»، أنها لا توجه سهامها ضد دول الخليج، إلا عندما تكون إيران في مأزق ناتج من تحركات خليجية وتريد أن تفتح جبهة إعلامية لإشغال الرأي العام لديها، فتجدها تزعم مرة بأن لإيران حقاً تاريخياً في البحرين، ومرة أخرى تزعم بأحقية إيران في الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها، هذا ما اعتدنا عليه من هذا الإعلام طوال الفترة الماضية، بل إن لغته كانت تزداد تشدداً كلما كان الواقع متأزماً وأشد احتقاناً، أو كما قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش: «الصراخ على قدر الألم!».
وإذا كان المراقب للوضع في المنطقة يعرف من مصادر المعلومات المتعددة حقيقة الوضع في اليمن، وأنه لا يسير لصالح إيران التي بات من الواضح أنها تعاني إخفاقاً في سياستها في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان أيضاً، فإننا ينبغي أن نتنبه إلى الدور الذي يقوم به الإعلام الإيراني، وهو قلب الحقائق وتزييفها، ومحاولة التأثير النفسي في الرأي العام العربي. وهذا الأمر يقودنا في المقابل إلى الحديث عن «الفراغ الإعلامي» العربي الموجه إلى الداخل الإيراني، فنحن لا نملك وسيلة إعلامية فاعلة تستطيع التأثير في الرأي العام الإيراني.
إن الحديث عن «الإعلام الموضوعي والنزيه» و«الإعلام المحايد» يبدو نوعاً من الخيال أو من السذاجة، وعلينا أن نواجه خصمنا بأسلحته نفسها، فإذا كان هو يملك وسائل إعلام تبث باللغة العربية وتحاول التأثير في الرأي العام العربي، فإن من الأجدر بنا أن يكون لنا مثل هذه الوسائل التي تقوم بهذا المشروع من جهة، وتقوم بالبث باللغة الفارسية لتستطيع الوصول إلى أكبر شريحة من الإيرانيين والتأثير فيهم، من جهة أخرى. إن أي فراغ لا تملؤه أنت بلا شك سيستغله خصمك ويستثمره ضدك. وهذا ما فعلته إيران التي استغلت هذا الفراغ الإعلامي ببث أفكارها وآراء قيادتها السياسية، مثلما استغلت فيما مضى الفراغ الأمني العربي، وتدخلت في الشؤون العربية.
عندي شعور بأن هزيمة إيران إعلامياً ليست بـ «مهمة مستحيلة» بعد أن كسرنا الحاجز النفسي على الأرض من خلال التحالف العربي بقيادة السعودية الذي رجح الكفة العربية السياسية والعسكرية. ومن ثمّ، فإن وجود قناة تلفزيونية موجهة للرأي العام الإيراني وناطقة باللغة الفارسية أمر تفرضه طبيعة التعامل مع إيران سياسياً، بل إن عدم وجود تلك القناة هو دليل على استمرارية «فجوة التعامل» بالمثل مع إيران. وفي الواقع، فإن هذه القناة ليست رفاهية أو ترفاً، بل هي حاجة ملحة وضرورية أثبتتها حرب اليمن.
إن كثيراً من المهتمين بالشأن الإيراني يرون أن إنشاء قناة عربية باللغة الفارسية سيؤدي إلى انكشاف حقيقة إيران إعلامياً، كما انكشفت عسكرياً وسياسياً في اليمن وسوريا. وإذا كانت هناك بعض البرامج المتخصصة عن إيران تحاول سد ثغرة التعامل الإعلامي مع إيران، فإنه من المهم أن تكون هناك رؤية متبلورة لكيفية مخاطبة الشعب الإيراني إعلامياً.
إن دور وسائل الإعلام، لا سيما مع التطور الذي طرأ عليها في ظل التكنولوجيا المتسارعة وظهور الإعلام الجديد المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، يحتّم علينا ألا نفرط في هذا السلاح في حربنا على النفوذ في المنطقة مع إيران. ولعل المخططين الاستراتيجيين في العالم يدركون أن هيبة الدول ليست في الجانب العسكري فقط، وإنما في الجانب الإعلامي أيضاً، فهو «القوة الناعمة» التي أحياناً تكون أخشن من القوة الصلبة!
المصدر: الاتحاد