رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
علاقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بسباقات الخيل علاقة قديمة، بدايتها كانت عندما كان في العاشرة من عمره، وكان عائداً ذات ليلة مع أبيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، من الصحراء، فقال له الشيخ راشد: «أريد أن أُنظّم سباقاً للخيل في دبي، السباق سيكون مفتوحاً لجميع القبائل، وأريدك أن تشارك فيه»، وبهذه الكلمات بدأت مسيرة تغيير خريطة عالم سباقات الخيل، ليس في المنطقة بل على مستوى العالم.
ففي تلك اللحظة بُعثت الطاقة في قلب محمد بن راشد، وشعر بالمسؤولية، وأصبح أكثر حماساً وانتظاراً ليوم السباق، وهكذا كان السباق الأول مناسبة يستحيل أن ينساها سموه، ولحظات الإثارة والترقب التي شعر بها، وهو في العاشرة من عمره، مازال يشعر بها كلما تذكرها، إنها اللحظات الأولى دائماً تبقى في القلب، الخيل الأولى، والسباق الأول، هي لحظات تبقى محفورة للأبد.
بالتأكيد لم يكن يدُر في خَلَد محمد بن راشد، آنذاك، أن هذا السباق البسيط، الذي أقيم بطول كيلومترين على شاطئ جميرا، وفي منطقة رملية لم تكن مجهزة لمثل هذه السباقات، ولم يسمع به سوى أهالي دبي والإمارات القريبة؛ هو بداية الانطلاقة للعالمية التي ستضع دبي في قمة سباقات الخيل العالمية، وستُنافس أعتى وأقدم دول العالم في أميركا وأوروبا تنظيماً لسباقات الخيل، بل تتفوق عليها في كل شيء. ما حدث هو أشبه بالمعجزة التي لم يكن ليستوعبها أو يصدقها عقل أحد ممن شهدوا ذلك السباق حينذاك، لكن من يعرف طموح وعزم ورؤية ورباطة جأش محمد بن راشد، سيدرك أن المستحيل كلمة لا يعرفها ولا يؤمن بها!
الأوروبيون أيضاً زعموا أن انتقال الخيل من أوروبا إلى دبي للمشاركة في سباق عالمي، هو أمر مستحيل، فبمجرد أن أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن تنظيم كأس دبي العالمي، تعالت الأصوات الأوروبية مشككة في نجاح هذا السباق، لكن سموه لم يُعلن عن هذا السباق بشكل عشوائي غير مدروس، فكثيرون لا يعرفون أن الدافع الحقيقي الذي يدفعه نحو الإعلان عن سباق للخيل في دبي هو حبه وتعلقه الشديدان بالخيل، لذلك أدرك أن هناك فجوة في خريطة سباقات الخيل العالمية في فترة الشتاء، حيث تمرّ القارة الأوروبية بطقس شديد البرودة يجعل إقامة سباقات الخيل في هذا الوقت أمراً مستحيلاً، وبالتالي تحرك سموه سريعاً لاغتنام هذه الفرصة، فأضاف سباقاً عالمياً ضخماً، هو الأغلى من نوعه على مستوى العالم، في فترة الشتاء، حيث الطقس المعتدل الجميل في دبي، ليكسر به فترة البيات الشتوي للخيل في أوروبا، التي كانت فترة ميتة تماماً في عالم سباقات الخيل!
انطلق كأس دبي العالمي كبيراً في عام 1996، وظل يتوهج ويكبر في كل عام بشكل مضاعف، لم يخبُ بريقه، بل خطف أنظار العالم من كل مكان، وأصبح علامة فارقة في التنظيم والأداء والقوة والجوائز، تفوق على جميع المدن الأوروبية التي سبقته بتنظيم هذه النوعية من السباقات بمئات السنين، ويتفوق في كل عام على نفسه، وينتج نسخة أفضل تظل حديث العالم لسنة مقبلة.
لا نبالغ في ذلك، بل الحقيقة والأرقام هما ما يثبتان صحة هذا الكلام، خصوصاً أن سباق دبي هو السباق الوحيد الذي تشارك فيه الخيول من القارات كافة، ودول العالم الشهيرة في هذا المجال، أميركا وأستراليا واليابان وجنوب إفريقيا، في حين لا نرى هذا التنوع يحدث على مضامير أوروبا.
أرأيتم ماذا يصنع الحماس، وماذا تصنع الشجاعة، وما الذي يمكن أن تفعله قوة الإرادة والرؤية الثاقبة. كأس دبي العالمي هو مجرد نموذج لذلك، وهو مجرد نموذج لقوة بأس وجرأة محمد بن راشد، ورجاحة فكره وعقله.
المصدر: الإمارات اليوم