رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لن يشعر العالم بحجم الكارثة الإنسانية التي يمر بها اللاجئون السوريون وأطفالهم، كونها وببساطة أكبر من أن تستوعبها العقول، وأكبر من حجم تخيلات البشر، فالمأساة الإنسانية السابقة على فظاعتها أصبحت اليوم أضعافاً مضاعفة مع موجة البرد والثلج والصقيع!
أجساد الأطفال تواجه البرد الشديد دون عازل ولا وسائل تدفئة، في ما عدا خيام اكتست جميعها باللون الأبيض من الداخل والخارج، يفترش اللاجئون الثلوج، ويتجمدون داخل خيامهم، والعالم لا يملك سوى تصويرهم، وبث مأساتهم للجميع، لتصبح القضية ضعفاً وعجزاً عن حماية أرواح الأطفال والنساء والعجائز أمام مرأى ومسمع العالم!
قاتل الله الجهل والسياسة، إنهما السبب الرئيس لما يحدث في سورية، الجهل في قتل الأطفال وإبادة شعب تحت أسماء غريبة، مثل الثأر لدم الحسين رضي الله عنه، والثأر للسيدة زينب، والثأر لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذنب أطفال يموتون بعد أن يتجمدوا من البرد في دم أحد!
هناك من يقتل من أجل الحسين، مقابل من يقتل من أجل الحوريات، هذا ما قاله رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا في كلمته الجريئة والمباشرة أمام قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة الكويت.
الجربا تحدث في كلمته عن مجازر النظام السوري وكيف حوّل بشار الأسد سورية إلى مختبر للفتنة الطائفية، عبر إدخاله «حزب الله» وإيران على خط مواجهة الثورة الإصلاحية بخطاب الثأر للحسين وحماية السيدة زينب، ما أدى إلى رد فعل من طرف آخر «فكانت داعش وأخواتها والملثمون من ناحية، و(حزب الله) من ناحية أخرى».
وأضاف الجربا: «أصبحت السيطرة عليهم صعبة بعد أن صار استيعابهم مستحيلاً»، في إشارة إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة.
والنتيجة دمار بلاد وإبادة شعب وتهجير الناس من بيوتهم، وأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ يواجهون الموت في أي لحظة!
وكما هو الجهل سبب في الموت، تأتي السياسة والمصالح والتحالفات، بوجهها القبيح لتكون سبباً آخر لا يقل خطورة عن سابقه، لتزهق الأرواح، أو بالأحرى لا تكترث بمأساة أحد إذا كان الموت سيحقق مصلحة سياسية، فالمكتسبات أهم مما سواها، وفي النهاية هناك شعب آخر يدفع الثمن، فما المانع إذاً من تحقيق المزيد من المكتسبات!
حجم المأساة الإنسانية في سورية يتجاوز حدود العقل، فهناك 126 ألف قتيل، بينهم 6627 طفلاً، و4454 امرأة، و2.1 مليون لاجئ في دول الجوار يعيشون في ظروف صعبة للغاية بل مميتة، وهناك الآلاف ممن فروا من سورية ولم يتم تسجيلهم من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالإضافة إلى أكثر من خمسة ملايين سوري نازح داخل سورية، ويعني ذلك أكثر من ثلث التعداد السكاني السوري.
الأسوأ من هذا كله أن مأساة السوريين مستمرة، والكوارث الإنسانية معرضة للزيادة، والقتل سيستمر، والأطفال معرضون للموت في كل ثانية، لأنه لا بوادر للحل القريب، فما الذي يمكن أن يشاهده العالم أفظع من ذلك حتى يتحرك لوقف القتل في سورية، ويتجرد من كل مصالح أخرى سوى التمسك بالإنسانية؟!
المصدر: الإمارات اليوم