كاتبة واخصائيه اجتماعية
أوجد الله -عز وجل- الإنسان على هذه الأرض وميزه عن بقية الكائنات الأخرى بالعقل والفكر، ومن خلالهما سخر له جميع ما تحويه الأرض من خيرات، لكن بعد أن يستخدم عقله وفكره، ويعرف كيف يستفيد منهما وكيف يتعامل معهما؟
من خلال هذا العقل والفكر عرف الإنسان القدرات والمواهب التي يتمتع بها، وعرف أيضاً ما هو أعمق من ذلك، كرامته وقيمته وإنسانيته، فأصبح يناضل من أجلها، لأنه بدأ يدرك أنه لا يمكن أن يعيش على هذه الأرض من دون هذه القيم العظيمة، وهي احترام هذه الروح قبل الجسد، احترام هذه النفس قبل أي شيء آخر، افتقادها يعني افتقاد إنسانيته التي ستحوله إلى كائن غير سوي أو (وحش بصورة إنسان).
وفي ظل هذه الوحشية التي تعددت صورها من الظلم أو العدوان والتجني، أو التشهير والقذف، أو السلطة والتسلط على الآخرين من دون وجه حق، هنا يدق جرس الخطر لما سيولد من فوضى ومظلومية وعدوانية متبادلة بين الأفراد.
وكل ما كان صاحب تلك الصورة البشعة له نفوذ، كان تأثيره – للأسف – أكبر وأعمق في فكر البشرية، خصوصاً من لا تملك التفكير، التي تعودت على التبعية والتلقين، فأصبح الخطر والجهل مضاعفاً هنا، وهذا ما يعيق أي تقدم مجتمعي.
كرامة الإنسان لا تتجزأ، فقد بحث عنها الفرد منذ القدم وناضل من أجلها، وصنعت حضارات وهدمت بسببها، وكتب التاريخ قصص أبطال ناضلوا من أجل كرامتهم وحريتهم التي طالما آمنوا بها، نثروا السلام والعدل والمساواة، ودثروا كل تكهن وجبروت، ضحوا بأرواحهم في سبيل استعادة هذه الكرامة بعد ما ضاق بهم الظلم والتجني.
ما يدمر أي مجتمع هو حالة الصراع التي يعيشها أفراده، بين الحريات والحقوق، وبين التسلط والظلم، تجعل أفراده في حالة عداء دائم، أو متذمرين كارهين، أو شعورهم بالقمع والتظلم، من هنا تولد شرارة العصيان والتمرد، ومن هنا أيضاً يستغل ذلك كل انتهازي متجبر متسلط في بث سمومه في العقول الفارغة أو المستسلمة، التي لم تعتد على التفكير، ولم يكن لها فكر خاص في يوم ما، تعودت على الانقياد والإصغاء فقط، ومن هنا أيضاً تذهب كل الجهود في تنمية المجتمعات وتحضرها وتقدمها في محاربة هذا الصراع الذي يستنزف الجهد والمال والوقت.
الخطر أن تكون ردود الأفعال بين الأفراد مليئة بالكراهية والحقد، مما يصنع فئات متحاربة متباغضة في مجتمع واحد، لذا كان سلاحها الوحيد في الخروج من هذه المعمعة توظيف العقل والفكر في كيفية التعايش في سلام وعدل ومحبة، ووضع قوانين محددة تجبر كل أفراد المجتمع على اتباعه، ومن يخل بهذه القوانين يعاقب.
هذه الضوابط والمعايير هي من تشكل تقدم المجتمعات بصورة إنسانية، مبنية على قيم واضحة تضمن للفرد كرامته وقيمته، وتقلص التجاوزات والفوضى.
المصدر: صحيفة الحياة