من التحديات الكبيرة التي تواجه العالم العربي، القدرة على تجديد الخطاب الديني ليواكب المستجدات المتسارعة، فكل يوم يأتي العلم بالجديد، وتُنشر اكتشافات لا حصر لها، لكن الخطاب الديني واللغة والمفردات التي يتكلم بها رجال الدين لم تواكب أبداً تلك التغيرات، ولم يرتق الخطاب الديني لفهم الجوانب المختلفة لكل العلوم، بل اكتفى باجترار ما تم توثيقه على يد المفسرين القدامى، حتى الذين حاولوا التجديد لم يأتوا بأي جديد فعلياً، بل ببعض الرتوش السطحية. مئات الآلاف بل الملايين في الدول الغربية وفي كثير من بقاع العالم، تواقون لفهم رسالة المولى، عز وجل، لكن لم ينجح أحد في مخاطبتهم باللغة التي يفهمونها، لغة العقل والمنطق والعلم، بدلاً من لغة التهديد والوعيد.
في الفترة الماضية، طالعتنا مذيعة الـ«بي بي سي» السابقة، كلير فوريستر Clare Forestier ، بمجموعة من الحلقات المذاعة عبر الـ«يوتيوب»، تقدم فيها تفسيراً علمياً أكثر من رائع لآيات ومعجزات من القرآن الكريم، تشرح فيها قضايا علمية غاية في الدقة، شرحها القرآن منذ أكثر من 1450 عاماً، ثم اكتشفها العلماء منذ بضع سنوات، وقد شاهدت منذ أيام تفسير الآية رقم 35 من سورة النور: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كأنَّهَا كوْكبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، لقد قرأت كثيراً تلك الآية وقرأت تفسيرها من بعض المفسرين القدامى والجدد، ولم يقترب أحد من التفسير العلمي الذي قدمته كلير فوريستر، لا من قريب ولا من بعيد، وللموضوعية لا يمكن أن نلوم المفسرين، لأن ما تقدمه هذه المذيعة مبني على اكتشافات علمية حديثة، ويعتمد على قدر عال من التكنولوجيا لم يكن متوفراً آنذاك، لكن ما المانع أن يقوم رجال الدين بالاستفادة من هذه الاكتشافات الحديثة في الدعوة والتعريف بالإسلام.
إن الفهم الحقيقي للدين يجب ألا يقتصر على قراءة الكتب الدينية فقط، ولكن ينبغي أن يلم الدعاة بكل العلوم البحتة والاجتماعية، ليس لدرجة التخصص بالطبع، ولكن للحد الذي يمكنهم من ربط الدين بالعلوم المختلفة وبيان إعجاز القرآن في شرح الكثير من الظواهر الكونية قبل اكتشافها بمئات السنين، لا أحد يدرك الغرض الحقيقي وراء هذا البرنامج، ولكن لاشك أنه يقدم شيئاً مختلفاً وفي غاية الأهمية.
المصدر: الإمارات اليوم