كاتبة إماراتية
هل يمكن لتفصيلة بسيطة تتمثل في كيس صغير كفيلة بإحداث فارق كبير في المكان؟!
تأملت نفسي في لحظة سكون وابتسمت متعجبة من سلوكي، وأنا أقوم بطي كيس صغير في حقيبة يدي قبل مغادرتي المنزل، فلا حاجة لي الآن لهذا الكيس الذي لازمني لأسبوعين في رحلة إلى اليابان، فالأمر هنا مختلف تماماً!.في تلك البلاد البعيدة أنت وحدك عليك التصرف بالمخلفات بين يديك، إنها مسؤوليتك، ولهذا كان الكيس ينهي محطته الأخيرة في سلة المهملات في غرفتي بالفندق آخر اليوم؛ لأن الشوارع والطرقات خالية تماماً من سلات المهملات. المثير فعلاً أن الشوارع نظيفة تماماً فلا يجرؤ أحد على إلقاء ما بيديه في مكان كهذا، رغم أن ثقافة تناول الطعام أثناء السير موجودة بكثرة، غير أن الجميع يحمل مهملاته معه حتى عودته!
لا يعرف الكثيرون أن السبب الحقيقي لاختفاء سلات المهملات في الشوارع يعود إلى مخاوف أمنية ظهرت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعد هجوم لطائفة متطرفة استهدف مترو انفاق طوكيو، استخدمت فيه سلات المهملات في هجوم منسق لاخفاء غاز «السارين»، وهو غاز قاتل صناعي لا لون له، مما أودى بحياة 13 شخصاً وإصابة آخرين. ومنذ عام 1995 قررت السلطات اليابانية إزالة صناديق القمامة إلا من أماكن محدودة جداً تخضع لكاميرات مراقبة.
تجاوب الشعب الياباني مع القرار بسلاسة، فهناك اعتزاز ثقافي شديد بمعايير النظافة العامة. هذا الاعتزاز والفخر باعتبار النظافة العامة مسؤولية مجتمعية، ولهذا تنشط لديهم حملات التنظيف الجماعي الذي أيضاً له آثار أخرى في تقوية الترابط الاجتماعي وغيره من النتائج ذات التأثير العميق في نسيج المجتمع لديهم.
كلما قرأت أكثر في هذه الجزئية وجدتني اعتقد المقارنات بين الأماكن التي أعيش وأتنقل فيها. طوكيو ليست أنظف من أبوظبي كما هو حال باقي الإمارات، وجهود السلطات لدينا في ذلك لا تشوبها شائبة، من حيث تسخير الإمكانات المادية والبشرية لاستمرار ذلك، ولكن هناك الأمر مختلف. فهل حقاً يمكن لتفصيلة بسيطة، تتمثل في كيس صغير، كفيلة بإحداث فارق كبير في المكان.. وفي ثقافة السكان؟!
المصدر: الاتحاد