الآن وبعد ثورة التكنولوجيا العارمة، طفت على السطح الإبداعي فقاعات ما يطلق عليه الأدب الرقمي، هذا الغث صار حرفة من لا حرفة له، وأصبح كل مدع يلهج باسم الأدب، وانتشرت مواقع إلكترونية تخوض الغبار، وتقفز على السطح وكأنها الطفح الجلدي، ويمارس أربابها لعبة الفن الهابط بخيلاء وتمرد على الحقيقة، وتمريغ وجه الأدب في غبار أشبه برفسات الجياد الجامحة وغير المروضة، كل ذلك يحدث تحت ذرائع وحجج واهية، تبدو في الحياة كأنها الفراس المهزومة، وخرفان تنطع الغيمة.
اليوم أصبح الأدب في مأزق المتزحلقين على رمال متحركة، أصبح الأدب في أزمة مشوبة بهواجس من جعلوا الأدب مطايا عمياء تذهب بملكات الإبداع إلى مزالق خطرة، ومفعمة بسموم الذين لا يعبأون بمصير الإرث الأدبي الذي أسس بنيانه عمالقة الأدب، وجهابذة اللغة الأم.
اليوم أصبحت مسؤولية الجهات الثقافية جسيمة، والالتزام الأخلاقي يفرض على هذه الدور النهوض بأدوار وطنية حماية للغة، ودرءاً لخطر الاقتحامات العشوائية، والتي لا تحرم المحرم، ولا تبريء الجسد الأدبي من خفقات ربما لا يعي أصحابها ماذا تجني عقولهم، وماذا ستؤدي إليه قفزاتهم الحمقى.
عندما نقرأ نصاً يقال إنه نص أدبي، تتجلى أمامنا خطة مدروسة لهدم البيت الأدبي، وتهشيم عظام اللغة، وتحويلها إلى ركام تنبعث منه رائحة نتنة، وكأنها تصدر عن جثث متعفنة، انسلخ فيها الجلد عن الجسد.
عندما نقرأ مثل هذه – النصوص – نشعر بأن هناك هجمة تتارية الهدف منها حرق المراحل، وجعل الوجدان البشري مكبات قمامة، والإصرار على مثل هذا التعسف، إنما هو كمن يصمم على إبقاء البشرية في حالة لا واعية، تسير خلف قوافل التشرذم بهنات وزلات، قد يصبح الأدب فيها في مستقبل قريب، إلى حفريات، وبقايا لعملة فاسدة، ولكن لن يرتدع هؤلاء، وأن يتوقفوا عن الهذاءات، ولن يفتحوا عيونهم على الحقيقة، لأنهم يتبعون الرخص، والاستهلاك في كل، ولن يستثنوا الأدب، لأنهم لا يعرفون ما هو الأدب، وفي لقاء في اتحاد الكُتَّاب في فترة سابقة، صرحت إحداهن بأنها لا تهتم باللغة، ولا يعنيها الفرق بين المنصوب والمرفوع، لأن كل ما يعنيها هو أن تكتب بما يمليه عليها ضميرها.
هذه قناعات تشبه خطوة عباس بن فرناس الذي طار بجناحين مزيفين، فوقع على الأرض مضعضعاً، ومعه تحطمت طموحاته.
أتمنى من أهل الثقافة الحقيقيين، أن يرفعوا الرؤوس، وأن يتأبطوا الوعي بأهمية أن تكون لهم كلمتهم التي تلجم مثل هذه الخزعبلات، والتي توقف هذا النزيف الأخلاقي، وأن يتصدوا للهجمة الجاهلية قبل أن يفوت الأوان، ويصبح الأدب (أدباً) كما هو اسم المراحيض في اللهجة المحلية.
المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، بإمكانها القيام بالدور الريادي، في التصدي لمثل هذه الانزلاقات الأرضية.
المصدر: الاتحاد