رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
الإدارة علم قائم بذاته، والممارسات الإدارية الناجحة لم تكن يوماً عشوائية، بل هي خطوات مدروسة ومحسوبة وفقاً لأنظمة إدارية عالمية معروفة، فالمدير الناجح هو ذلك الذي يبني قراراته على أُسس علمية، لا على أهواء شخصية أو مزاجية أو لمجرد إثبات وجوده في المنصب، مُخطئ من يعتقد أن الإدارة هي التفرد بالقرار، وأن المُدير هو حتماً أفضل الموظفين عقلية، وأكثرهم ذكاء وإنتاجية، لمجرد كونه مديراً!
الإدارة في كثير من الدول المتقدمة، هي فن اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، وهذا هو مفصل النجاح، وفي مثال واضح يؤكد ذلك، كان عدد من مسؤولي الدولة في زيارة عمل إلى اليابان، وزاروا مصنع السيارات الشهيرة «تويوتا»، وانبهروا بدقة العمل وسرعته، ووجود أكثر من 23 روبوتاً تجمع وتركبّ جميع قطع السيارة بدقة متناهية تأسر الألباب، وبسرعة فائقة، سأل أحد أعضاء الوفد مدير المصنع: لماذا اخترت أن تبدأ بتركيب الأبواب قبل إطارات السيارات؟ لماذا لم تكن العملية معكوسة مثلاً؟ ففوجئ الجميع بجواب المدير، حيث أكد لهم أنه لم يختر الترتيب الموجود بل الدراسات والتجارب وحدها كانت الفيصل، فالمصنع إذا بدأ بتركيب الإطارات قبل الأبواب، فإن ذلك يؤدي إلى تأخر تركيب السيارة الواحدة ست ثوانٍ، وهذه الثواني عند حسابها مالياً وجدنا أنها تساوي ستة مليارات ين سنوياً، وهكذا، فكل خطوة محسوبة مهما كان حجمها، ولا مجال هنا للاجتهاد الفردي بل الاعتماد على البحوث والدراسات العلمية!
الثانية لها كلفة مالية، والقرار الإداري الخاطئ له كلفة مالية أيضاً، وحتى لو كنت تتعامل مع روبوتات دقيقة ومتطورة، فالإدارة الصحيحة هي التي تستطيع توظيف طاقة الروبوت بالطريقة الصحيحة والمثالية، فالإدارة ليست عنتريات، وليست تحكماً وتسلطاً، والمدير المتميز هو الذي يستطيع زيادة إنتاجية موظفيه بطريقة مثالية، وهو الذي يستطيع إظهار أفضل ما لديهم برغبتهم لا بالتهديد والوعيد.
كثيرون لا يلتفتون إلى أهمية الوقت، وكثيرون لا يتعاملون معه على أساس أنه مورد مهم، في حين أنه أهم مورد لنا إذا أدرناه بشكل مناسب، ويمكن للجميع الاستفادة القصوى من الوقت الذي مُنح لهم، فالفشل في إدارة الوقت يعني فقدان ساعات لا يمكن العودة لها، وهذه الساعات لها كُلفة مالية دون شك، وإضاعتها نوع من أنواع هدر المال العام.
وتالياً فإن تحسين مهارات المديرين والمسؤولين والموظفين في إدارة الوقت، يؤدي إلى كثير من الثقة والفاعلية في العمل، أما الاستهتار بالثواني والساعات فإن ذلك يعني مالاً مُهدراً وجهداً ضائعاً، فهل نستطيع احتساب المال الذي نهدره سنوياً بسبب قرارات إدارية غير محسوبة، أو غير مدروسة؟ والمال الذي نهدره سنوياً، بسبب عدم الاكتراث بأهمية الوقت، بالتأكيد مبالغ كبيرة!
المصدر: الإمارات اليوم