رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
كان هناك مدير تنفيذي لواحدة من كبرى شركات الأدوات المنزلية، ويبيع بضاعة رائجة ومطلوبة، وكانت شركته تحقق أرباحاً بنسبة 2%، في وقت كان الطلب على بضاعته متزايداً، وكان المشترون والمستهلكون يمرون بظروف اقتصادية جيدة، ولديهم من السيولة ما يجعل النشاط الاقتصادي منتعشاً، لذا قرّر ذلك المدير رفع سعر بضاعته لتصل نسبة أرباحه إلى 4%، لم يكن ذلك صعباً في ذلك الوقت، واستمر المستهلكون في الشراء منه، كما أن ذلك ظل مقبولاً لديهم طالما أنهم في وضع اقتصادي جيد.
لكن طبيعة السوق ليست جامدة، فهي متحركة متذبذبة، صعوداً وهبوطاً، لذلك بدأت عمليات شراء تلك السلعة تقل، لكن ذلك المدير لم يتجاوب مع السوق، وظل محافظاً على نسبة أرباحه، معتقداً أنه سيخسر الكثير لو أنه أجرى القليل من التخفيضات أو العروض الترويجية على سلعته، وهذا الأمر سيجعله في موقف حرج أمام مجلس الإدارة.
عند قرار رفع نسبة الربح، وقبل انخفاض الطلب، كانت شركته تبيع سنوياً بقيمة 200 مليون درهم، لكن حركة البيع تراجعت لتصبح بعد عام 150 مليون درهم، ولم يحرك ذلك شعرة في الشركة، وظلت متمسكة بأسعارها، تراجعت المبيعات إلى 130 مليوناً، وفي العام الثالث إلى 80 مليوناً، وطوال الأعوام الثلاثة لم يحرك المدير ساكناً، ولم يتنازل عن نسبة ربحه، ولم يفكر حتى في إعادتها إلى نسبتها السابقة، أو إجراء تخفيضات عامة، كما يفعل نظراؤه في السوق، معتقداً أن التخفيضات تضر بسمعة شركته، وستؤدي به إلى خسائر كبيرة، رغم أنه يخسر بشكل سنوي، وهو يرى بعينه أرقام المبيعات تتراجع أمام ناظريه!
من البديهي والمنطقي أن يعرف الجميع، أن هناك سياسة خطأ يسير عليها هذا المدير، وهذه السياسة لاشك في أنها السبب الرئيس وراء خسارته، وليس كما يظن هو أن التخفيض والتراجع قد يتسببان له في خسائر تفوق خسارة الاستمرار بالأسعار الحالية.
المسألة لا تحتاج إلى خبراء اقتصاد لتحليل الوضع، ولا تحتاج إلى مكابرة، الأمر يحتاج إلى معرفة بسيطة بعلم الرياضيات، لأن الأرقام هنا هي التي تحكم وتفصل في القرارات الإدارية، وتراجع الأرقام والطلب، لثلاث سنوات متتالية، يعني بالضرورة وجود علاقة طردية مع سعر البضاعة، كلما ارتفعت الأسعار قل الطلب، وكلما انخفضت الأسعار زاد الطلب، هكذا ببساطة، ومن دون تعقيد، وهذا ما يرفضه فكر المدير الذي يصر على المحافظة على الأسعار المرتفعة رغم تراجع الطلب!
عموماً تأخُر الإدارة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف نزيف تراجع الطلب، هو الخطأ الأكبر، وجمود التصرف الإداري الصحيح هو السبب الرئيس للخسارة، لذلك لا يمكن أن تتجاوب السوق أو المستهلكون مع خطوات هذه الشركة، ما لم تبادر هي وتتفاعل مع وضع السوق بشكل إيجابي، لابد لأصحاب القرار التنفيذي في هذه الشركة – كما رفعوا الأسعار وقت الانتعاش الاقتصادي، عليهم وبشكل طبيعي، ومن دون أي تحسس أو الشعور بالحرج – أن يتجاوبوا مع السوق ويخفضوا الأسعار وقت الانخفاض الاقتصادي، هذا أمر معمول به في جميع دول العالم، ويتوافق مع جميع القوانين الاقتصادية، ولا مشكلة في ذلك!
لا أعتقد أن هناك خطأ في اتخاذ هذا الإجراء، والإقدام على هذه الخطوة، بل الخطأ الاستمرار في إجراء خاطئ، في وقت يتطلب الأمر اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة، لأن اللعب على عامل الوقت هو في الغالب سلاح ضد ذلك المدير لا معه!
كثيرون من يعتقدون أن التراجع عن قرار ما أمر سلبي، وكثيرون أيضاً يعتبرون ذلك التراجع إساءة شخصية لهم، وقد يضر بصورتهم، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فالتراجع عن قرار أدى إلى حدوث ضرر ما، هو قمة الشجاعة، وهو قمة الثقة بالنفس، وهو الإجراء الجريء الذي يجب أن يتخذه كل مدير.