رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لا يحدث هذا في دول العالم، لا تجد حكومة تحفّز وتشجّع وتطلق المبادرات من أجل زيادة إسهام الشركات والمؤسّسات في العمل المجتمعي، ليس من أجل مواطنيها فقط، بل من أجل شعوب المنطقة العربية بأسرها، لا توجد فرصة كهذه تمنح دون إلزام أو قانون يجبر القطاع الخاص، تحديداً، على ضرورة القيام بواجبه تجاه المجتمع، بل هناك نسب وضرائب ملزمة في مختلف دول العالم!
الآن، وبعد الإعلان عن مركز محمد بن راشد لاستشارات الوقف والهبة، لا أعتقد أن هناك عذراً لإحجام شركات القطاع الخاص أو رجال الأعمال أو المؤسسات، عن الإسهام المجتمعي، ولا عذر لديهم لتجاهل دعم المجتمع، والابتعاد عن الأعمال الوقفية التي تعود بالنفع والخير الدائم المتواصل لفئات وشرائح مختلفة من المجتمع.
مركز محمد بن راشد لاستشارات الوقف والهبة، الذي أطلقه، أمس، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يُسهّل المهمة على كل من يريد العمل بجد، لترسيخ الخير والعطاء، ويؤمن بضرورة تحمّل المسؤولية تجاه المجتمع، فهو يقدم دراسات تحليلية وتفصيلية عن كل مجالات العمل الخيري التي يحتاج إليها الوطن العربي، وعن أهم الفئات والشرائح التي تستحق الدعم، وعن الأعمال الوقفية التي يمكن تنفيذها وتضمن استدامة الفائدة لمستحقيها، بدل أن يكون العمل عشوائياً غير منظم، فجميع البيانات والإحصاءات والمعلومات ستكون متوافرة وواضحة، وبذلك يكون المركز قد غطّى جانباً معلوماتياً مهماً كانت تفتقر إليه المؤسسات والشركات الراغبة في تنفيذ أعمال مجتمعية، وفي الوقت ذاته سدّ الباب على كل من يدعي عدم معرفته بكيفية بدء العمل الخيري ويتذرع دائماً بنقص المعلومات!
ولأنه محمد بن راشد، فهو دائماً المبادر قبل كل مبادر، لم يكتفِ بتحفيز الآخرين، بل بدأ بنفسه، حيث أطلق، بالتزامن مع ذلك، مبادرة عالمية لإحياء الوقف، تتضمن إيقاف منطقة كاملة في دبي لمشروعات الوقف والهبة، هذه المنطقة تبلغ أصولها خمسة مليارات درهم للمعرفة وأبحاث المستقبل ودعم القراءة والتأليف، إضافة إلى إنشاء مركز متخصص للدراسات الوقفية، ليضع بذلك أساساً قوياً لمفهوم العمل الخيري والوقف والإسهام المجتمعي، وينتقل به إلى مستويات عالية، تضمن استدامته وتواصله وعدم انقطاعه، وتضمن استفادة أكبر عدد ممكن من المستحقين في مختلف أنحاء الوطن العربي.
الباب الآن مفتوح على مصراعيه أمام رجال الأعمال والشركات الكبرى والقطاع الخاص والمؤسسات، للإسهام أكثر وبفاعلية في الأعمال الخيرية والمجتمعية، فالطريق أصبحت واضحة ومهيأة لهم للتفاعل أكثر مع المجتمع، وليثبتوا أنهم جزء منه، فتجارب السنين الماضية لا ترجّح كفّتهم، ولا تثبت اهتمامهم وتحملهم، ولو لجزء بسيط من المسؤولية المجتمعية، على الرغم من وجود ممارسات خجولة ومتواضعة هنا وهناك، إلا أن النهج العام والصورة الشاملة يثبتان ابتعاد القطاع الخاص عن مسؤوليته المجتمعية، رغم كل التسهيلات والمزايا التي توفرها الحكومة، فهل نشاهد في الفترة المقبلة تحولاً في هذا الشأن بعد أن أصبحت وسيلة وكيفية الإسهام أكثر وضوحاً اعتباراً من يوم أمس؟!