ما إن وصلت طوكيو قبل يومين حتى بادرني ذات السؤال الذي يهجم علي في كل زيارة لي خارج العالم العربي: لماذا يتقدمون و نتأخر؟ الحقيقة أن في هذا السؤال وجها ناعما للسؤال الحقيقي: لماذا يزدادون تقدماً و نزداد تخلفاً؟
أتمنى لو يتفرغ بعض باحثينا المخلصين لدراسة أسئلة النهضة و البحث عن إجابة عملية لأسئلة من مثل: كيف تنهض الأمم؟ ما الذي يجعل أمة تتفوق في العلوم و سرعة الإنجاز و الانتقال من مرحلة تراجع إلى مرحلة تقدم و ازدهار؟ ذلك سؤال جوهري لطالما بحثت عن إجاباته. لكنني أعتقد أن الأمم تنهض بعد هزائمها عندما تعترف أولاً بالهزيمة ثم تشكل رؤيتها للمستقبل و تعمل من ثم كفريق واحد، لتحقيق أهدافها. و من يمتلك إرادة التغيير يستطيع – مهما كانت الصعاب – أن يصل لأهدافه. و ما ينطبق على الفرد يمكن أن ينطبق على الأمم. الفارق هنا أن الفرد يستطيع بنفسه أن يحقق إرادته و يصل لهدفه. أما الأمم ففي مرحلة ما من عمرها تحتاج لمن ينهض بها و يقودها لتحقيق طموحها الأكبر في النهضة و التفوق.
بعد مأساة هيروشيما و ناجازاكي، سلك اليابانيون طريقاً مختلفا غير طريق القتال و الحروب. انتصر الياباني لنفسه حينما انتصر عليها و اعترف بالهزيمة. ثم رسم اليابانيون رؤيتهم الجديدة نحو المستقبل بعقلية جديدة تتطلع للمستقبل و لا تنشغل بما مضى. لم تضطر اليابان، في مشروعها الصناعي و التنموي العملاق، أن تستبدل جلدها أو تتنكر لتراثها و ثقافتها. لكنها – و هذا الأهم – تبنت تفكيراً جديداً اعترف بالواقع العالمي الجديد ثم دخله منافساً متفوقاً حتى على من سبقه.
ما أحوجنا في العالم العربي لقراءة متأنية لتجربة اليابان مع الهزيمة و الانفتاح على المستقبل. و ما أشد حاجتنا اليوم لوقفة جادة مع النفس و مواجهة حقائقنا المؤلمة و أهمها أننا اليوم أمة متخلفة عن ركب الأمم الناهضة و عن ركب الشعوب التي تتسابق بعلم و معرفة و ذكاء نحو المستقبل. و علينا أن نلح في السؤال: لماذا يتقدمون و نتراجع؟