لماذا يغضبون؟

آراء

مهما حاولت، لا يمكنك أن تفهم تماماً معاناة لم تعشها. ولن تقوى على حل مشكلة لا تعرف – تمام المعرفة – كافة تفاصيلها.
أسوأ ما في المسؤول أن يقرأ المشكلة على الورق. فكيف له أن يفهم – مثلاً – ملل الناس وإحباطهم من صفوف الانتظار الطويلة في المطار وهو لا يسافر مثلما يسافر الناس؟ وكيف لمسؤول أن يفهم غضب الناس من تردي أوضاع مستشفى حكومي وهو لم يزر مستشفى حكوميا طيلة عمره؟

القصد هنا أن المسؤول عن قطاع تنفيذي مطالب أن ينزل إلى الميدان ويفهم عن قرب مشكلات الناس مع قطاعه. أكثر ما يغيظني حينما أجد مسؤولاً يستغرب من غضب الناس على قطاعه وهو يعيش في برجه العاجي. ولو كان لي من الأمر شيء لفرضت على كل مسؤول في أي قطاع يعنى بمصالح الناس أن يعيش تجربة الناس مع قطاعه بكل تفاصيلها. فإن كان مسؤولاً في قطاع الطيران فعليه أن يسافر كما يسافر الناس. وأن «يتمرمط» في طوابير الانتظار لأن مقعده «طارت» به الأقدار! لا يمكنك أن تفهم غضب الناس إلا بفهم أسباب غضبهم.

مشكلة تنموية حقيقية أن تكون هناك فجوة مهولة بين صانع القرار في أي قطاع خدمي وبين معاناة الناس مع قطاعه. ومهما تكن النوايا طيبة، تبقى التجربة الميدانية خير وسيلة لفهم تفاصيل المشكلة وبالتالي التعاطي بمهنية مع حلولها.

أحترم المسؤول الذي يقترب عملياً من مشكلات الناس. يعيش معاناتهم ويبذل قصارى الجهد لإيجاد حلولها. وإلا بات طبيعياً أن يسأل باستغراب وربما باستهجان: لماذا يغضبون؟

لأنك تعيش في عالمك الخاص فتنجز معاملاتك وأنت في مكتبك المكيف الأنيق. يغضبون لأن أوقاتهم تضيع هدراً من أجل إنجاز أبسط معاملة. يغضبون لأنهم يشعرون أن «الخدمات» تتراجع. ويغضبون أكثر حينما يعلمون أن حضرتكم يسأل: لماذا يغضبون؟!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٨٠) صفحة (٣٢) بتاريخ (٠٩-٠٩-٢٠١٢)