لي أمنية في رمضان

آراء

لي أمنية في رمضان، لا غير، بأن ينتهي الشهر، وقد خمدت نار الحروب، ليعيش العالم في سلام ووئام. أمنية مبعثها الإيمان أنه في الحروب التي مرت، والتي يخطط لها أن تكون، التي لم تزل في جعبة تجار السلاح، والتي تعشش في أذهان عشاق العبثية والتدمير، وخراب ديار العباد، حروب مرت على التاريخ أكثر مما مرت على العالم من كلمة حب لفظها كائن ما عرف غير الانتماء إلى السكينة، والبحث عن الدفء، والتفكير بالحياة من طرف مشاعر ضفرت، ووضعت على المتون خصلات تداعب الهواء، تغني للهوى.

أتمنى أن يفكر كل مخلوف يخفي نوايا، باتت تحرقه، وتحرضه لمص دماء الحقائق، وارتكاب جرائم، وإشعال حرائق، في كبد الطبيعة، هذه الطبيعة التي باتت تئن من ويلات الكراهية والأحقاد، والبغضاء، والشحناء، أتمنى أن يتحرر البشر من عقدة التفوق، وأن يتخلصوا من دونية الأنا، ووهم معالجة مركبات النقص، بالاعتداء على الغير، وسلبه، ونهبه، اغتصاب حقوقه، وتشريد أهله، وإشاعة الكذبة بحجم الكرة الأرضية، والإيمان بقانون القوة، وليس بقوة القانون.

أتمنى أن يعاد ترتيب أبجدية الأحلام، وجعلها بيضاء من غير سوء، ملساء كأنها خد أهيف، وجيد منيف. أتمنى أن يفكر كل محتدم، وكل عتل زنيم، قبل أن يقدم على شن حرب، على الآخر، أن يفكر بأن الحروب لا ترمم الجدران الداخلية الواهنة، بل تزيدها وهنا، وتزيد الحياة تداعيات أشبه بتداعي جدران بيت قديم.

أتمنى أن تنتهي مهزلة التفكير بالحروب كوسيلة لتحقيق الأمجاد، وبناء أواصر القوة. فكل حروب التاريخ انتهت إلى تلاشي ممالك وإمبراطوريات، وضياع حضارات، وموت حقائق، كل الحروب عبر الأزمنة التي مرت على البشرية، لم يجن منها الإنسان غير الفقر، والفاقة، وضياع المستقبل، وبهتان يلاحق كل مدعٍ كذاب، وكل مفترٍ مخادع، لأن الحروب ليست إلا تعبير عن صراع داخلي تدور رحاه في النفوس المريضة، والعقول الموشومة بالبارانويا، الإسكندر الأكبر (المقدوني) والذي طغى، وبغى، والذي ملك الدنيا وما عليها، والذي أخرس جيوش، وهزم جحافل، وحطم ممالك، عندما وقع طريح الفراش، وعلى مقربة من فوات العمر، طلب من مساعديه بأن يطلقوا يديه عند الموت خارج الكفن، ولما سئل عن السبب، أجاب، بعفوية وسلاسة، لأني جئت إلى الدنيا، خاوياً، وذهبت عنها كذلك.

تكفي هذه القناعة، بأن تقول لمشعلي الحروب، إنكم لن تأخذوا معكم أكثر مما أخذ الإسكندر، وهذه هي الحقيقة، فعلى البشرية أن تأخذ بأسباب العقل (العاقل) وأن تتخلص من معضلات التاريخ، وعقده، وأن تفكر بالمعنى الذي أرساه ذلك المقدوني العريق، لترتاح ركاب العالم، ويخف صهيل الحروب، وتنتهي وتجف سيول الدماء، وتتوقف قعقعة الحروب، ويبدأ العالم في لملمة أثاثه، وإعادة صياغة وعيه، وكتاب التاريخ بحروف من دموع الفرح، لا من دموع الأسى.

أتمنى ذلك، أعرف أن الأمر ليس سهلاً، ولكن الأمنيات حق مشروع، والخلاص من دمار الحروب، هو أمنية يحملها كل ذي عقل معافى من درن الأخلاق العدمية.

المصدر: الاتحاد