كاتب إماراتي
«هنري الفريد كيسنجر» ولد في مقاطعة بافاريا بألمانيا عام 1923، باسم «هاينز»، هرب من ألمانيا النازية مع عائلته عام 1938 وعمره 15 عاماً إلى لندن ثم إلى أميركا، حصل على الجنسية الأميركية وعمره 20 عاماً، والده «لويس» مدرس، وأمه «بولا ستيرن» مدبرة منزل، له أخ وحيد هو «والتر» يصغره بعام، ومات قبله بعام تقريباً، اسم «كيسنجر» جاء بتسمية من جده الثالث نسبة لبلدة اشتهرت بالمياه المعدنية في بافاريا اسمها «باد كيسينغن»، بدأ حياته لاعب كرة قدم جناحاً في ناد ألماني عريق، لكنه وجد مضايقات من عصابة «شباب هتلر»، ومنع من دخول صالات الرياضة، ثم تم فصل أبيه من التدريس، بعد وصوله إلى أميركا عمل في القوات الأميركية البرية برتبة رقيب، اشترك في الحرب العالمية الثانية، وحرب فيتنام، تخرج محاسباً من كلية نيويورك، ثم درس العلوم السياسية في جامعة «هارفارد» ونال الماجستير والدكتوراه منها بتخصصات في السياسة والفلسفة، ثم درّس فيها فيما بعد، أصبح مستشاراً للأمن القومي الأميركي عام 1969، ثم وزيراً للخارجية الأميركية عام 1973.
كان يجيد الألمانية والإنجليزية بلكنة ألمانية لا تخفى على أحد، وبسبب انخراطه في التفاوض وإجراءات وقف إطلاق النار في فيتنام، حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام في عام 1973 في وقت عصيب وينذر بكثير من الخلافات، وتجدد الاشتباكات، واستقال حينها عضوان من لجنة جائزة نوبل احتجاجاً على فوزه.
لعب «كيسنجر» وظهرت براعته السياسية ومراوغاته الثعلبية الماكرة خلال محاولة تحييد الاتحاد السوفييتي عن أطماعه في الوصول للمياه الدافئة في الخليج العربي، ثم إذابة التوترات بسبب الحرب الباردة معه، كذلك ساهم في التقارب الصيني الأميركي فيما عرف بلعبة السياسة أو سياسة اللعبة، بسياسة الـ «بنغ بونغ»، كذلك لعب دوراً مهماً كوسيط سياسي أميركي يلعب بأوراق كثيرة في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وخاصة في حرب أكتوبر المجيدة، وتداعياتها الكثيرة، ومحاولة إيجاد تسوية في هذا النزاع.
لكن لـ «كيسنجر» صورة أخرى مختلفة في الحياة، فعمره السياسي العملي كان قصيراً في المنصب، بغض النظر عن عمق تأثيره السياسي، وأثره في الفكر السياسي العالمي، والجيو – سياسي الذي كان يدعو له، لكنه كان دائماً خلف الكواليس رغم أنه جمهوري، كانت له الكثير من الكتب المهمة التي تدرس على مستوى الجامعات في العالم، وله محبون ومريدون من طلبته في جامعتي «هارفارد وجورج تاون»، وهناك مراسلاته المهمة التي نشرتها «ويكيليكس» لأول مرة عام 2013، ثم أفرج عن سريتها بعد ذلك.
بقي كيف عاش هذا الثعلب السياسي مائة عام، وهو يتمتع بصحة لا تشكو من ألزهايمر، ولا أمراض أقعدته عن الحركة، وبحدية الذهن؟ وهو الذي يحب القعود طوال الوقت والقراءة والأكل الدسم مع كاساته المتعددة، وبعده عن الرياضة منذ كان شاباً، ابنه الوحيد «ديفيد» الذي يبلغ اليوم من العمر 62 عاماً، وله أربعة أبناء، يرده إلى أن أباه كان دائم التحفز لعلم جديد، ومواصلة شغفه المعرفي، والتواصل مع الآخر، كان دائم الحضور في كل الأماكن رغم محبته للمكوث على أريكته الكسلى المفضلة!
المصدر: الاتحاد