حزين أنا على لبنان، حيث تشققت قماشته السياسية، وآلا إلى موئل الأسى والضيم والضنك.
لبنان الذي كان بنو العرب يطلقون عليها عروس الشرق، وباريس، على الرغم من أن باريس اليوم تعاني فتقاً في السياسة، وحلماً مزعجاً في الاقتصاد، ربما العدوى جاءت من مكان آخر، أو من ضيق في التنفس جراء سطوة الخارج، ورهاب الداخل.
لبنان الذي عشقنا ترابه وناسه وطبيعته وأنهاره وشجرة الأرز العريقة، تؤذينا فيه هذه التداولات لأحلام ما قبل النوم، وخيالات أكثر إيلاماً من غيمة داكنة تحجب أشعة الشمس، فتصيب العين بالرمد.
أحزن كثيراً على لبنان خليل جبران وفيروز، وغيرهما ممن لونوا حياتنا بالجمال، ونسجوا على مشاعرنا خيوط الحرير.
خليل جبران الذي قال في يوم ما «تقدم ولا تتوقف، في التقدم يحدث الكمال»، ولكن ربما البعض فضل أن يتوقف، لأن في توقفه يوقف عجلة الزمن، ويجعله في الحياة صخرة سيزيف التي تأبى أن تصعد، رغم إرادة الناس في هذا البلد الجميل، بلد تغنت به فيروز حتى وصل صوتها المخملي إلى جارة الوادي وعند ضفاف النيل الحبيب.
اليوم لا صدى لصوت، ولا ترتيلة تعجب في لبنان، ولا حلم يرفع عن كاهل الإنسان في هذا البلد، ويجعله يتنفس من هواء لا تغشيه غاشية طائفية، ولا تعشيه نبرة منفرة، لا تصلح أن تدوزنها قيثارة العصر، والذي رمى خلفه كل الزبد، وكل الرمد، وصارت الشعوب اليوم تتطلع إلى غد يزدهر بالحب، وتنمو أغصانه على ضفاف أنهر طيورها بشر، وأغصان أشجارها من مشاعر إنسانية مرهفة، مدنفة بحب الآخر، ولا شيء سوى وحدة الوجود، هي الآية، وهي الرواية التي يقرأها ميخائيل نعيمة، وهو في قبره وحيداً، منتمياً إلى العالم وليس إلى فكر محدد، ولا مشاعر محبوسة في قفص الأحكام المسبقة ضد المختلف، والموازي في مربع الوطن.
لبنان يحزنني، لأنني نشأت على صورته المبهجة، وترعرعت أعشاب القلب على أغنيات وديع الصافي، وهو يشدو باسم الخيال البشري المفتوح على فضاءات لا تحدها حدود، ولا تردها صدود، اليوم تبدو الأشياء في لبنان تحتسي أقراص النوم وتسبت، ولا يصحو سوى من تسوروا وتصوروا أن الوجود ليس إلا صندوقاً أسود، أسراره مكنونة في صدور الذين ظنوا أنهم امتلكوا ناصية الحقيقة، ولا حقيقة سواهم.
لبنان الحبيب، نتمنى لك صوماً مباركاً عن كل ما تطرحه الأفكار المغلقة، نتمنى لك حلماً زاهياً يضيئك، كما أنار دروبك وشوارعك في سابق العهد، يوم كنت وكنت أنت المعنى بإشراقة النهار، وأنت القيم على صناعة الوعي في الكتب والصحائف.
لبنان، نشتاق كثيراً إلى أغنيات فيروز الحالمة، وشعر وفلسفة جبران خليل جبران المستفيقة من أشعة الشرق المبجل، أنت جدير بأن تعيد الكرة وتنهض، وتنفض معطفك من الغبار، لأنك في كل الفصول كنت ناعماً كما هي أجنحة البلابل فوق أشجار، وعند ضفاف أنهارك.
لبنان، نشعر بأن الكرة الأرضية ينقصها دورة واحدة في غيابك، ونشعر أن القمر يبدو باهتاً في تواريك، نشعر أن الشمس لا تبذل جهداً كي ترسل خيوطها الذهبية للعالم في ضوء تلاشي ابتسامتك.
لبنان، لست وحدك تواجه العاصفة، بل إن للشرق نصيباً في هذه المعاناة، فعليك أن تحزم أمرك، وتتخذ قرارك المصيري، لتؤدي دورك الريادي كما كان، فهذه مسؤولية وجودية، وعليك القيام بها.
المصدر: الاتحاد