كاتبة واخصائيه اجتماعية
الإنسان يعيش وسط دائرة كبيرة من الصور الذهنية التي تعتمد على مجموعة من الأفكار والمعتقدات والمفاهيم، تتشكل وتتلون وتتغير هذه الصور في مراحل حياتنا، وهذا ليس كله سيئاً، فلربما من خلال ذلك يستطيع الإنسان أن يتطور وينمو ويتغيّر، لكن المهم أن ندرك قوة تأثير هذه الصور الذهنية فينا، وكيف تحرك الداخل من دون أن نشعر.
ونقصد بالصور الذهنية: «كل شيء نقوم به أو نسعى إليه أو نفكر فيه له صور في مخيلتنا»، وتختلف هذه الصور من فرد إلى آخر، إذ إن بعضنا تكون «صوراً»، والآخر «رمزاً»، ومنهم من تكون «فكرة مسيطرة»، جميعها تؤثر فينا من دون أن نشعر.
بعضنا يضع أهدافاً في حياته يرغب في تحقيقها ويسعى جاهداً لذلك، لكنه يصل إليها بصعوبة، وعندما نرجع إلى «الصورة» الذهنية الباطنية لديه نجد الصورة الأساسية لديه هي «الفشل»، يشاهد صورة عدم تمكنه من بلوغ هدفه، وللأسف هذا هو ما يحصل له على رغم جهوده، ربما يصل لكن بعد جهد ووقت أطول، من هنا لا بد أن ندرك حقيقة الصور الذهنية الخاصة بنا، ولا نُسْقِط فقط على الظروف. مَن يشاهد نفسه فاشلاً أو ضعيفاً حتماً سيكون كذلك، ومن يشاهد نفسه قوياً ويمتلك القدرة أو العزيمة فله ذلك أيضاً. مثال لذلك «الاستحقاق»، البعض تأتي لديه الفرص بأن يعمل شيئاً رائعاً، لكن الصورة الذهنية التي يمتلكها سلبية يشاهد نفسه لا يستحق ذلك، وأن الشيء المقدم له أكبر منه، لذا تذهب الفرص وهو يتفرج.
لا يكفي أن نقوم بأدوارنا في الحياة كالآلة من دون إدراك المعنى من ذلك، ومن دون فهم طبيعة الإنسان وماذا يحركه من الداخل! ليس كل الظروف الخارجية هي السبب في الفشل أو الهزيمة، فقد يكون ما يحويه داخلنا من صور سلبية يقمع جمال الذات فينا، من هنا لا بد أن ندرك أيضاً أن خلف هذه الصور الذهنية السلبية وجود «الأنا» التي تحاول دائماً هزيمة الذات، وهناك فرق بين «الأنا» المتطلبة و«الذات» الأصلية للإنسان، التي تعيش من دون إصدار الأحكام، ولا تشترط شيئاً، فهي صافية ونقية ومسالمة.
«الأنا» دائماً ما تبحث عن أضعف نقطة في الإنسان وتستغل ذلك، لكي تتغذى عليها وتكبر، والضعف أو السلبية لهما صور عدة، فهناك من يتعطش للمكانة الاجتماعية في منصب معيّن، لدرجة أنه ينسى بقية أدواره الأساسية في الحياة، أو تجده يعمل طوال الوقت لكي يمجد هذه المكانة أو هذا الاسم، فيصبح مقيداً لذلك، و«الأنا» هنا مخادعة، تعطيه القيمة التي تغذّي هذا الغرور أو حب السلطة والشهرة، لكن الحقيقة لا تمثله أبداً، فهو كائن له ذَاتٌ ذات معنى أكبر من الشكليات والمظاهر، وهنا بالذات يظهر ضعف الإنسان، بعكس من يسعى ويعمل وتكون له مكانة اجتماعية مميزة، لكن هدفه الأساس أو نيته الخاصة هي مساعدة الآخرين مثلاً، أو الهدف بناء ذاتي لكن ليس على حساب أدواره الأخرى، أو على حساب الآخرين، يشاهد نفسه ويشاهد أيضاً الآخرين، وهنا لا تستطيع «الأنا» الدخول لأنه قطع عليها الطريق، في الحالتين المشهد نفسه، لكن الأول تحكمه «الأنا»، والثاني تحكمه «الذات»، الأول انتهازي قمعي، والثاني معطاء مكافح.
ولكي ندرك حقيقة الصور الذهنية الخاصة بنا، علينا اكتشاف من خلفها من أفكارنا ومعتقداتنا التي هي المحرك الأساس لكل ذلك، إن صحت الأفكار والمعتقدات وكانت منطقية وسليمة وإيجابية، لم تخضع لسيطرة «الأنا» وصورها العديدة من ضعف أو قوة، وستعكس هذه الأفكار والمعتقدات الصحيحة على حياة الإنسان الشيء الكثير من الإيجابية والنمو والتطور الطبيعي والمسالم، الذي يدفع البشرية إلى مزيد من التقدم والوعي.
الوعي بأننا نمتلك الأدوات التي تساعدنا في النهوض، أهمها ما تحويه عقولنا من صور ذهنية إيجابية عن أنفسنا وعن الحياة بشكل عام، لأن هذه الصور تعتبر خرائط يسير الإنسان عليها، ولا بد أن يسير عليها وهو واعٍ ومدرك لأهميتها وتأثيرها في حياته، نشاهد مشهداً لبعض ألعاب القوى، التي تعتمد بعد التدريب البدني على صنع صور ذهنية إيجابية لإنجاز الشيء وتخيل طريقة الفوز بتفاصيل قبل وقوعها مع الاعتقاد بقوة في الفوز، وهنا اشتغلوا على التمارين والتدريب، وأيضاً على صنع صور ذهنية في المخيلة على النجاح وكيفية الوصول، مع الاعتقاد والإيمان بذلك، والوعي والإدراك لقيمة العمل الذي يقومون به من دون تدخل «الأنا» والهيمنة والغرور الزائف، لأنهم يدركون أنها إحدى بوابات السقوط والهزيمة.
لذلك، علينا إدراك ثلاث نقاط مهمة في حياتنا، أولاً: أفكار ومعتقدات إيجابية منطقية صحيحة. ثانياً: صور ذهنية إيجابية جميلة.
ثالثاً: أن تكون ذواتنا على طبيعتها من دون الاستسلام لـ«الأنا» المتعطشة للغطرسة أو الضعف.
المصدر: الحياة