نتحدَّث عن الضمير، في كل مواقعنا، وظروفنا، وتصرفاتنا، في خلافنا، وفي اتفاقنا، في حزننا، وفي فرحنا، فهو الحاضر الغائب، المتدفق مثل الهواء نحسه ولا نراه، هو السائل بلا لون كالماء، هو المتجمد والمتغير، هو المناهض والمسالم، هو الساكن والمتحرك، يتسمى باسمه المتدين والعلماني، الكبير والصغير، الغني والفقير، هو في كل عقيدة، ومبدأ يكون في صلب الحقيقة البشرية، يكون في خلايا التفكير، أينما حل وارتحل، وأينما انطلق.
ولكن ما هو هذا الضمير الساحر المتشعب الراصد لسلوكنا، المراقب لكل دفقة من دفقات قلوبنا؟. أطلق عليه الأنا، وفي بعض الأحيان يسمى الوعي، المسلم يخاطب الناس باسم الضمير، والمسيحي كذلك، الطوائف، والملل، والنحل، والإثنيات، والعرقيات، كل هذه الطرائق، تذهب إلى الحياة باسم الضمير، ولكن نسأل مرة أخرى ما هو هذا الضمير، الذي يظهر في العالم مثل الكائن الخارق، الطارق، والمتحذلق، والمتفق واللا متفق، مع أو ضد، في الـ«النعم، واللا».
الضمير يبدأ في النخر، أو الوخز، وينتهي في التأنيب أو التأييد، ولكن هو في كل الحالات، يبقى الكائن الخفي الكامن في معطف الذات من غير هوية واضحة، هو لم يكشف عن وجهه إلا من خلال تأثيره في سلوكنا، سواء كان سلباً أو إيجاباً.
إذن ما الضمير؟ هو مفهوم هيولي غير مرئي، ملقى في الذات، يعمل على تفسير الأحداث، وتصنيفها، وأرشفتها، وتوضيبها في الذات، ثم إصدار الحكم النهائي، هو قاضٍ، ومدبر للسلوك، هو شرطي المرور الذي يستوقفك عندما تقود العربة، و«إنترفيرون» حالة تهور، وهو نفسه الذي يحرضك على السرعة الفائقة كي تصل إلى المكان الذي تريده، قبل غيرك، هو يفسح لك الطريق لتحقيق الأهداف، وهو أيضاً الذي يحذرك من خطورة ما تقوم به، هو الذي يقول لك هذا الصديق وفي فاتبع خطاه، وهو الذي يُعاتبك في طريقة اتخاذ الأصدقاء، هو الذي يقول لك أنت مذنب، وهو الذي يعلن براءتك، ويسوق المبررات لتحقيق ذلك.
الضمير مكان في اللا مكان، يسكنك، ويغادرك، يلاقيك في كل مكان، ويهجرك في أي مكان يشاء، هو لا تعرف له ديانة، ولا مبدأ، وهو الذي يسن كل المبادئ على اختلاف ألوانها، وأشكالها.
الضمير يملكه كل إنسان، وكل فرد منا يتحدث باسم الضمير، ولا فرق بين المجرم والتقي، لا فرق ببن المذنب والبريء، لأن الضمير يتحدث كل اللغات، ويتشكل حسب ما ترتضيه ظروف الأشخاص.
المصدر: الاتحاد