انتهت الانتخابات البرلمانية الثالثة في دولة الإمارات وسوف تبدأ قريباً دورة برلمانية جديدة لفترة الأربعة أعوام المقبلة. لقد كانت تجربة غنية أخرى في سجل تجارب دولة الإمارات المدنية. فقد طبقت الإمارات في الانتخابات الأخيرة أعلى معايير الجهوزية والشفافية والنزاهة وأعلى معايير الحداثة في استخدام التقنيات للوصول إلى أدق النتائج وبسرعة الطرق.
كما تميزت الانتخابات الأخيرة بارتفاع نسبة الوعي الانتخابي لذا كل من الناخب والمرشح سوياً. فقد كان الطرفان على درجة كافية من الوعي السياسي ومن أهمية هذه الانتخابات بالنسبة للدولة ككل خصوصاً وأن شعار الحملة هذه المرة كان »صوت للإمارات«.
مهدت تلك الانتخابات لمرحلة جديدة من تاريخ الإمارات السياسي، مرحلة معتمدة على سواعد الشباب والمرأة وهما الفئتان الأكثر تمثيلاً في هذه الانتخابات. وعلى الرغم من النتائج الحقيقية للانتخابات إلا أن الجميع كان فائزاً فيها: المرشحون الذين استطاعوا بجهودهم وبرامجهم الانتخابية من الحصول على مقعد والخاسرون الذين لم يستطيعوا الوصول إلى قبة البرلمان ولكنهم بالتأكيد حصلوا على تجربة غنية تؤهلهم لخوض العمل البرلماني والسياسي مستقبلاً.
الانتخابات الأخيرة كانت مفصلاً مهماً في تاريخ العمل السياسي والبرلماني في دولتنا. فكما سبق ذكره، الغالبية الكبرى من القوائم الانتخابية تضم فئتين مهمتين هما المرأة والشباب وهما الفئتان اللتين تنهض بهما الأمم والشعوب الحديثة، وهما أيضاً الفئتان اللتان غالباً ما تتناساها الانتخابات في الكثير من البلدان. تجربة الإمارات هذه عكست الاهتمام المتنامي الذي توليه القيادة لهذه الشرائح.
تجربة الإمارات كانت رائدة على أكثر من صعيد. فقد كانت رائدة من حيث التنوع العمري والاجتماعي حين ضمت القوائم الانتخابية نسبة كبيرة من الشباب والنساء. كما كانت رائدة حيث ضربت الإمارات مثالاً رائعاً في التدرج في استخدام الحقوق البرلمانية. فقد كان الهدف الوصول إلى نتائج منطقية تعكس طبيعة مجتمع الإمارات المتغير وأخرى تعكس التركيبة الديمغرافية والعمرية للمجتمع. من جهتها استخدمت اللجنة الوطنية للانتخابات وسائل عدة لتسهيل وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع وتسهيل كل العقبات التي قد تحول دون وصولهم في الوقت المناسب للتصويت.
فقد استخدمت وسيلة التصويت المبكر ووسيلة التصويت من الخارج بالإضافة بالطبع إلى يوم التصويت الأصلي وهو الثالث من أكتوبر. كان الهدف تسهيل إدلاء جميع الناخبين بأصواتهم في سهولة ويسر ودون أي عقبات. كذلك جاء استخدام الإمارات لآخر التقنيات الحديثة والبسيطة كخطوة سهلت لجميع الناخبين، حتى أولئك الذين لا يملكون أي خبرة تقنية، في الإدلاء بأصواتهم في سهولة ويسر. وتبقى دراسة النتائج النهائية مطروحة أمام الباحثين لكي يدرسوا المتغيرات التي طرأت على الناخبين والعقبات التي حالت دون مشاركة البعض في التصويت.
انتخابات 2015 سوف تكون مفصلاً مهماً في تاريخ دولتنا. فهي التجربة التي وفرت للشباب نافذة مهمة للإطلال على المستقبل وهي كذلك اعتراف بدور المرأة الإماراتية التي تشارك بكل قوة في الحياة العامة وبالتالي يحق لها أن تشارك في اتخاذ القرار العام بل ورسمه.
إنها الانتخابات الأوسع حتى الآن وهي الانتخابات التي عكست طبيعة مجتمع الإمارات بشكل كبير. فكل تجربة برلمانية تمر علينا نستفيد منها دروساً وعبراً للمستقبل والتجربة الأخيرة ليست استثناءً. فهي تجربة زادتنا نضجاً وخبرة وهي التجربة الأوسع حتى الآن والتجربة التي يتطلع الجميع إليها بوصفها ركيزة مهمة من ركائز العمل الوطني.
أن المهام الملقاة على عاتق أعضاء المجلس الوطني الجدد، سواء الأعضاء المنتخبين أو المعينين، كبيرة ويأتي على رأسها هموم الوطن وهموم المواطن المعيشية والخدمات العامة وملفات مؤجلة كثيرة كملف التوطين والإسكان والتوظيف وغيرها من هموم عامة. كما تدخل ملفات جديدة وضرورية للمستقبل منها الابتكار والفضاء وغيرها من ملفات مهمة لجيل المستقبل. أن كل ما نتمناه للمجلس الجديد هو التوفيق في خدمة الوطن وتذكير الأعضاء المنتخبين بالوعود التي وعدوها للمواطن والتي أوصلتهم لقبة البرلمان.
فكرسي المجلس ليس تشريفاً بقدر ما هو تكليف وطني مهم وواجب وطني لخدمة كل الإمارات. كما أنه تذكير للعضو المعين بأن التكليف الذي كلف به هو تكليف لأداء واجب وطني لا يقل عن دور الجندي في ميدان المعركة، فكليهما يقوم بواجبه من منطلق معين. فهنيئاً للناخبين الذين امتلكوا حساً وطنياً رائعاً، وهنيئاً لمن فاز في الانتخابات وهنيئاً لمن حاز على ثقة القيادة السياسية ليمثل الإمارات في المجلس الجديد.
المصدر: صحيفة البيان