يدعوك العقل إلى التحول، من منطقة مشوبة بالتلف، إلى منطقة معشوشبة بالأحلام الزاهية. ولكنك تصادف العقبات، مزروعة مثل الأشواك في زقاق ضيق فماذا يشير إليك العقل؟ يقول اذهب ولا تخف، وتسلح بالحيل، ووطد علاقتك مع الأفكار، هي التي ستقودك إلى أماكن أنقى من ماء النهر.
تفكر أنت، وتقلب السجادة على كل أوجهها، لتطرد الغبار، وتطارد الذرات الصغيرة العالقة في خيوط السجادة، ثم ترفع رأسك، وتقول ها آنذا تخلصت من العقبات، وتنفرج شفتاك عن ابتسامة مشرقة، ثم تضحك ساخراً مما اعترضك من عقبات. ولكن في أحيان كثيرة، يعجز العقل عن تجاوز العقبات، ويصاب بالإحباط، وييأس قليلاً ثم يهتدي إلى فكرة جهنمية، وهي التحايل على العقبات، ولو بطرق معيبة، وعندما تجد الطريق سالكة، تستمرئ هذا الأسلوب، وتستمر في سلكه، وتجازف ولو كان على حساب أشياء كثيرة تمس قيمك ومبادئك، وترتكب أحياناً أخطاء مفزعة، ولكن عقلك يقول لك استمر، ولا تلتفت إلى الوراء، لا تجبن أبداً، فهذه فرصتك في اقتناص الفرص، إنها أحلامك الجميلة، فاسكن إليها ولا تمتعض، وتمر أيامك والعمر يجري مثل شلال الماء، يأخذ معه كل ما يعترض طريقه ولا يتوقف.
وفي مرحلة قصوى من حياتك، في لحظة تقليب الدفاتر، تجد نفسك في المحك الخطير والمؤلم، يوم لا ينفع الندم. وقلب القادم من نبضة الترائب والأسلاب، ينقبض لأول وخزة تلم بك، يتحرى الدقة فيما يحدث من حولك، يقول لك تريث ولا تتعجل، يقول لك هذه الطريق مفعمة بما يعرقل أحلامك، والحفر السوداء محتشدة مثل جيوش جرّارة، تريد أن تلتهم قدميك، فاحذر.
أنت أحياناً، لا تستمع إلى مواعظ القلب وتذهب بمفردك، وبدافع من نصائح العقل، وتمضي بلا هوادة، متكئاً على أريكة العقل، ولكن لما تقع في المأزق الرهيب، توجه اللوم إلى القول، والنَّاس أيضاً يتهمونك بالعاطفي الذي جره قلبه إلى المهالك، بينما في الحقيقة هو العقل الذي تخفى خلف حزمة من الحيل، وأخذك إلى الهاوية، مستفيداً من دهاء أفكاره الخادعة.
ويبقى القلب في الحيرة، تحيطه براءته، وتضمه عفويته، ولكن لا جدوى مع الجبار المخادع، ومهما فعلت لن تنقذ قلبك من خديعة العقل، لأنه الكهل المدجج بأفكاره المسبقة، والسابقة على وجود القلب.
وسيبقى القلب متهماً، طالما استولى العقل على مرافق السلوك البشري، لأنَّ طفولة القلب لا تساعده على مواجهة الخديعة.
المصدر: الاتحاد