حكمة ربما مرت علينا جميعاً، البعض يأخذها على محمل الجد وينفذها، والبعض الآخر لا يفعل ذلك، وسواء استشرنا أم لم نستشر، فهناك آداب لطلب المشورة أو النصح، كما أن هناك أداباً لإعطاء المشورة والنصح، والذي قد يكون مجاناً أو بمقابل، حيث ينطبق المفهوم على الأفراد والشركات والحكومات أيضاً، فنحن الأفراد بحاجة لناصح أمين يرشدنا للطريق الصحيح، ولاتخاذ القرارات المناسبة مُنتهجاً فكرة واحدة وهي مصلحتنا، ومسترشداً أيضاً بمنظومة القيم والعرف، وقبل ذلك توجيهات المولى عز وجل، فقد تكون لنا مصلحة مادية في موضوع ما، ولكن هذه المصلحة تأتي من طريق مشبوه، وبالتالي لابد للناصح أو المستشار أن يتحرى الدقة في كل نصائحه وتوجيهاته.
تكون المشورة على مستوى فردي غير رسمي، كأن نسترشد برأي الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى أو الوالدين أو الأصدقاء، أو تكون بصورة رسمية وبمقابل، عندما نلجأ لمحامٍ أو طبيب أو مرشد نفسي، على أن يكون مرشداً حقيقياً مدرباً ومؤهلاً وليس شخصاً حضر دورة تدريبية ثلاثة أيام وأصبح «لايف كوتش» أو «مرشداً أسرياً»، ينبغي أن نأخذ النصيحة من متخصص خبير، وعلى من لا يلم بكل أبعاد الموضوع ألا يعطي نصيحة لأنه قد يدمر حياة إنسان دون أن يدري، أو في أحسن الأحوال يكبده خسائر جسيمة، أما بالنسبة لطالب النصيحة، فأود أن أشير لنقطة مهمة، وهي إن لم يكن الشخص مقتنعاً بأهمية النصيحة ولن يعمل بها فلا داعي لطلبها، واذهب وافعل ما تشاء. أرى أمثلة لأشخاص كثيرين يرهقون الآخرين في طلب المشورة، ويزعجونهم ليل نهار، وفي النهاية يضربون بالنصيحة عرض الحائط، وقد يكون ذلك في أمور بسيطة أو كبيرة. أذكر أحد الأصدقاء أرسل لي صورة سيدة عجوز على سرير في أحد المستشفيات وقال لي هذه صديقتي تعرفت عليها من ستة أشهر وهي مقيمة قريباً منك في بريطانيا، وقد طلبت مني بناء مسجد باسمها، وسترسل لي مبلغ مليوني دولار ولكن كاش وتطلب مني فقط أن أدفع ثمن الطرد وهو 1600 دولار. قلت له، هل حقاً تعني ما تقوله؟ وأنك تصدق هذا السفه؟، فغضب وقال لي أنا متأكد تماماً، أنا فقط أردت أن أستشيرك ليطمئن قلبي، فقمت بعمل بحث عكسي على الإنترنت باستخدام الصورة وأرسلت له قائمة بالمواقع التي تستخدم الصورة نفسها، وأنها مشتراة من موقع لبيع الصور، وأخبرته أن العنوان الذي أرسله لا وجود له، وحاولت بكل السبل إقناعه لكنه أصر على رأيه ودفع المبلغ، والنهاية معروفة.
ينطبق الشيء نفسه على الشركات والحكومات التي تستعين بخبراء غير مؤهلين للنصيحة، أو مؤهلين ولكن لا يتم الاستماع لهم بجدية. في معظم الدول الأوروبية هناك تأمين على الخطأ الاستشاري، حتى في الأمور الإدارية حيث لابد أن يتم حماية الشركة طالبة الاستشارة في حال حصلت على نتائج كارثية نتيجة خطأ في الاستشارة، أتمنى أن يلتزم الناصحون بصفة عامة بمبدأ «من قال لا أعلم فقد أفتى» فليس من المتوقع أن يعرف كل إنسان كل شيء.
المصدر: الامارات اليوم