لم تحظَ نظرية في الإدارة الحديثة بالاهتمام الذي حظيت به نظرية إدوارد ديمنج، الأب الروحي لإدارة الجودة الشاملة، وقد ولد ديمنج عام 1900، وتوفي عام 1993، وهو مهندس أميركي حصل على الدكتوراه في الرياضيات والفيزياء، بجانب الكثير من درجات الدكتوراه الفخرية، والتكريم من جهات ومؤسسات عالمية، ومن إمبراطور اليابان، ويكفي أن أول جائزة للجودة في العالم أطلقت في اليابان حملت اسمه، وقد ذهب ديمنج إلى اليابان بعد الحرب العالمية، بعد تدمير اليابان، ليساعد المهندسين والعلماء على تبني المنهج الذي نادى به في الولايات المتحدة لأكثر من 20 عاماً دون مجيب، وعلى النقيض، فقد فتح له اليابانيون عقولهم وقلوبهم، وطبّقوا نظريته المشتملة على 14 مبدأً، تشكل منهجية متكاملة وخريطة طريق لتطبيق الجودة في أي منشأة، أياً كان نشاطها أو حجمها.
وتركز مبادئ ديمنج الـ14 على الاهتمام بالعنصر البشري، لأنه جوهر وعمود العملية الإنتاجية في كل المؤسسات، ودون الاهتمام بالبشر فالنتيجة هي الفشل المؤكد. من ناحية أخرى، كان ديمنج من أوائل من ركزوا على الاهتمام بالتدريب، والاستمرار فيه طوال فترة عمل الموظف، خصوصاً التدريب أثناء العمل، وشدد على أهمية القيادة ودورها في صياغة رؤية ورسالة المنشأة، ورأى أن الإدارة العليا هي السبب في 95% من المشكلات في أي منشأة، وأن الحل دائماً وأبداً مسؤولية الإدارة العليا، وأنه حتى يتمكن الموظفون من تأدية عملهم على الوجه الأكمل فلابد من «تنظيف» نظام العمل من الشوائب والمعوقات التي تعوق الإنتاج والتواصل الداخلي. وكان من أكثر المهاجمين لسياسة استقطاب عروض أسعار للتوريد، وإرساء العقود بناءً على السعر الأقل، بل لابد أن يكون المعيار هو الجودة، ثم السعر. ومن مبادئ ديمنج التحسين المستمر، وتقليل وتبسيط الإجراءات، بحيث تعطي وقتاً أكبر للموظفين حتى يتمكنوا من الإبداع والابتكار في عملهم، والتأكد من خلو بيئة العمل من الخوف وثقافة اللوم.
وبجانب المبادئ التي أصبحت حجر الأساس لمنظومة الـ«آيزو 9001»، وكذلك النموذج الأوروبي للتميز، تبنى ديمنج منهجية شهيرة تسمى PDCA، تتلخص في أربع خطوات بسيطة، وسلسلة يمكن أن تكون منهجية متكاملة للعمل وفقاً لمبادئ الجودة. فإذا كانت العجلة هي أهم اختراع في التاريخ، فإن دورة ديمنج PDCA هي بمثابة إعادة اختراع العجلة في علم الإدارة، ويعتبر كتابه «الخروج من الأزمة» من أهم المراجع على مستوى العالم في تحسين جودة المعيشة، وإرساء أسس التميز. لقد رحل ديمنج، ولكن لاتزال أعماله وإسهاماته خالدة، ومازلنا بحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
لقد رحل ديمنج، ولكن لاتزال أعماله وإسهاماته خالدة، ومازلنا بحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: البيان