رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
هل سمع أحد عن مبادرة «شخصية»، أطلقها أي مسؤول أوروبي أو أميركي رفيع، أو أي من أولئك الذين يتشدّقون بالدفاع عن حقوق العمال في المنظمات الدولية؟ هل فكر أي منهم في مبادرة «عملية» ليست «كلامية»، تهدف إلى تحسين أوضاع هذه الفئة، أو رفع مستواها، أو علاجها؟ هل سبق أن أعلن أي منهم عن مبادرة خاصة يتحملون تكاليفها كاملة بشكل «شخصي» دون أي دعم أو تدخل من الحكومة، أو أي جهة كانت عامة أو خاصة؟!
لم نسمع بذلك، في حين نسمع كثيراً من التنظير، والتصريحات، والخطب العصماء، التي لا تخدم فئة العمال، بقدر ما تستخدمهم لأغراضٍ سياسية أو حزبية، وتضعهم دائماً في فوهة المدفع لتحقيق أجندات خفيّة، وتُمارس باسمهم أبشع الاستغلال والابتزاز السياسي والاقتصادي، هذا ما تفعله الدول الكبرى، وهذا بالضبط ما تحيكه معظم المنظمات التي تدّعي الاهتمام بحقوق الإنسان!
في الإمارات الوضع مختلف جداً، وعند حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، وضعٌ مثالي آخر، لا يتكرر عند غيره في أنحاء العالم الواسع، هو لا يريد سمعةً يستغلها للوصول إلى سلطة سياسية، ولا يعمل من أجل مصلحة حزب معين، ليفوز بثقة أتباعه، كما أن العمال وحقوقهم ليسوا مجرد وسيلة للوصول إلى مصلحة وقتية، أو لابتزاز دولة، أو لتحقيق هدفٍ مستتر، كل ما يريده هو مساعدة هذه الفئة بشكل مباشر، ومن دون وجود أي هدف آخر غير مباشر!
سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، ولي عهد دبي، أطلق أمس مبادرة «شخصية» تُعنى بصحة الفم والأسنان لدى فئة العمال، ومن خلالها يتحمل سموه تكاليف الفحوص المسحية، والعلاجات الضرورية لأكثر من 2000 عامل في المرحلة الأولى، التي ستستمر إلى نهاية العام، ولاشك في أن مراحلها المقبلة ستشهد زيادة في الأعداد، فتوجيهات سموه لفريق العمل بقيادة مدير مكتب سمو ولي عهد دبي، سيف بن مرخان الكتبي، هي رفع المستوى التثقيفي والصحي لأكبر شريحة ممكنة من العمال، وفحص ومعالجة جميع الأمراض المرتبطة باللثة والأسنان، مهما بلغت الكلفة المالية.
فعل ذلك لسبب رئيس، هو كما قال سموه: «احتفل العالم بداية شهر مايو الجاري بيوم العمال، وقد أردنا أن يكون احتفالنا في دبي هذا العام بهذا القطاع المهم غير تقليدي، وأن يكون له طابع عملي نافع، وألّا يقتصر على الكلمات والتصريحات، لذلك قررنا إطلاق مبادرة صحية، يستفيد منها جميع العمال، وبشكل مباشر، وتعود على صحتهم بالنفع والفائدة»، وأضاف «هذه الحملة واحدة من المبادرات التي يتم من خلالها التعبير عن شكر المجتمع وامتنانه لقطاع العمال، لما يقدمه أفراده من إسهام مهم في تشييد البنيان، وضمن مختلف تخصصاتهم»، منوهاً سموه بأن «هذه المبادرة تحمل في طياتها رسالة تقدير للعامل، بأسلوب عملي يعود بالنفع على صحته».
لماذا الفم والأسنان تحديداً، سؤال يتبادر إلى الذهن، والإجابة عند سيف بن مرخان، حيث يقول: «اختيار صحة الأسنان لدعم العمال، يُلبي حاجة ملحّة لهذا القطاع، إذ إن هذا النوع من العلاج مرتفع الكلفة، ويشكل عبئاً مادياً كبيراً عليهم، لا تغطيه معظم شركات التأمين، إضافة إلى هدف وقائي، فالأمراض المتعلقة بالفم ذات طابع تراكمي، فإذا بدأ المرض ولم يتم التعامل معه بالسرعة المطلوبة والجودة العلاجية اللازمة، فإنه يتفاقم مؤدياً إلى مشكلات صحية معقدة».
بالتأكيد لن نقرأ عن هذه المبادرة في تقرير «هيومان رايتس ووتش» المقبل، ولا في تقارير المنظمة المشبوهة «فرونت لاين»، ولن يذكرها المتاجرون بحقوق العمال في تصريحاتهم، لأنهم لا يبحثون عن الحقوق الفعلية للعمال، بل يبحثون عن كل ما من شأنه تشويه سمعتنا وتلويثها بتقاريرهم الكاذبة، ولكن هذا لا يهم، فسمو الشيخ حمدان عندما أطلق المبادرة لم يُفكر أصلاً في أمثال هؤلاء، فجُلّ تفكيره ينصب على الفائدة الحقيقية التي سيجنيها العمال، فمبادرته إنسانية صحية، وليست دعائية!
المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2015-05-12-1.783320