مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

مخاضات الديموقراطية

آراء

تؤكد انتخابات مصر الأخيرة أنه برغم هبوط الديموقراطية على العرب ذات زمن “ربيعي” من غير تدريج إلا أنهم يصرون على توشيحها بخصوصيتهم التي كم تحدثوا عنها. وأثبتت تلك الانتخابات بالإضافة إلى ما يقال عن وجود ديموقراطيات عربية أخرى كالتي في العراق وغيرها، أن العرب لم يألفوا بعد مسألة الاختيار الحر لأن ثقافته لم ترسخ لديهم نتيجة سيطرة أنظمة طوال عقود على عدد من الدول التي لم يكن للمواطن لديها رأي في اختيار أي شيء، بما في ذلك الشأن الثقافي والإبداعي الذي يفترض أن أصحابه على درجة عالية من الوعي تجعلهم قادرين على اختيار من يديرون المراكز الثقافية لكن هؤلاء يأتون دائما بالتعيين من قبل “الحزب القائد”، حتى المجالس التنفيذية لاتحاد الكتاب العرب التي يتم انتخاب أعضائها كما في سورية وغيرها، يأتي “الحزب القائد” ليعين رئيس الاتحاد من غير اكتراث لعدد الأصوات أو لإجراء انتخابات بين الفائزين لاختيار رئيسهم. ولنا أن نتخيل بقية الانتخابات الصورية في الأماكن الأخرى إذا كانت تلك هي الديموقراطية المفروضة على النخب الثقافية!

تلك العقليات أفرزت ديموقراطية “أنا أو الفوضى” التي لمسناها في انتخابات مصر الرئاسية الأخيرة، من خلال إعلان كل من المرشحين واحدا تلو الآخرعن فوزه قبل أن تصدر النتائج، وهذا الأمر لا يخطر على بال أي مرشح أن يقوم به في دولة مشبعة بالديموقراطية، لأنه ببساطة يخل بالمسار الديموقراطي ويسيء للبلد وللتيار أو الحزب.. ورأينا في انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة كيف سارت الأمور بهدوء وخسر الرئيس منصبه وجاء رئيس جديد ليقود الدولة في المرحلة المقبلة، ولم يلمّح أحدهما ـ وإن بشكل مبطن ـ إلى ميدان تحرير ومليونيات من المتظاهرين إن لم يفز. لأن ذلك لا يمكن تفسيره إلا تحت باب “أنا أو الفوضى”، وهذا الباب ذاته أورثته الأنظمة الشمولية لشعوبها، بدليل ما حدث ويحدث عمدا في دول “الربيع العربي” من خراب وفوضى، وتلك رسالة من النظام للشعب بأنه وحده من يحقق استقرار البلد، لكنه تجاهل أن الاستقرار يجب أن يترافق بجملة من المعطيات تؤدي كلها إلى تحقيق حلم أي مواطن في حياة مقبولة كريمة ضمن دولة مؤسسات يعيش شعبها حالة “المجتمع المدني” على أصوله. ولأن ذلك لم يحدث، فقد هبت الشعوب منادية بالكرامة والحرية والديموقراطية، مما أزعج أنظمة لم تر من قبل في الشعوب إلا “شيئا” تتاجر باسمه من أجل القومية والممانعة ومحاربة طواحين “الإمبريالية” المزعومة. لكن سنّة التاريخ تحققت حين بدأت تلك الأنظمة تتهاوى، وبقيت الشعوب تتلمس الغد وتعاني مخاضات الديموقراطية.

المصدر: الوطن أون لاين