كاتب إماراتي
يبدو أن حالة التواجد لجماعة «الإخوان» المسلمين في المجتمع البريطاني سد على المراقبين؛ عرباً وأجانب؛ كل الاحتمالات التي يمكن أن تتخذها الحكومة البريطانية من قرارات لحماية أمنها الوطني، مفترضين صعوبة حدوث ذلك. لهذا؛ فإن حالة التشكك من اتخاذ إجراء ضد «الإخوان» هي المسيطرة من نتائج قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي أصدره الأسبوع الماضي حول فتح تحقيق حول فلسفة وسلوك «الإخوان». البعض يعتقد أن القرار يخدم الجماعة أكثر مما يقلقها أو يضرها.
أتفق مع الذين يستبعدون بأن يكون الهدف من إجراء التحقيق هو حاجة الحكومة البريطانية لمعرفة طبيعة الجماعة وفكرها، وذلك لأكثر من سبب. السبب الأول؛ أن علاقة بريطانيا بجماعة «الإخوان» علاقة تاريخية منذ نشأة الجماعة في مصر عام 1928 في عهد مؤسسها حسن البنا. السبب الثاني؛ أن البريطانيين مطلعون على تفاصيل منطقة الشرق الأوسط أكثر من غيرهم؛ وربما أكثر حتى من أبناء المنطقة نفسها؛ وبالتالي تكون مسألة الحاجة للمعرفة أمراً يكاد يكون غير منطقي. السبب الآخر؛ أن هناك جالية كبيرة من «الإخوان» في بريطانيا، ومنهم قيادات سياسية وفكرية، وبعضهم يحمل الجنسية البريطانية والبعض الآخر من مواليد بريطانيا؛ وبالتالي فالمعرفة «المتبادلة» بين الجانبين أمر مفروغ منه.
إذن، الأمر لا يخلو من استعدادات الحكومة البريطانية لاتخاذ إجراءات ضد «الإخوان»، قد لا تكون جذرية في الوقت الحالي، لكنها تؤكد مسلكاً جديداً للحكومة البريطانية في التعامل مع «الإخوان» والمعارضين لأنظمة بلادهم.
أذكر، أنه في بداية هذا العام كانت الحكومة البريطانية واحدة من الحكومات الأوروبية، التي رفضت قرار مصر بتصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» كتنظيم إرهابي. وكان تبرير الموقف البريطاني وقتها منطلقاً من كونها دولة لديها تقاليدها السياسية القائمة على استضافة طالبي اللجوء السياسي إليها؛ وبالتالي فإن التراجع عن هذا «التقليد» يكاد يكون مستحيلًا. وفي هذه النقطة ربما يعتقد المراقب غير المتابع لتغيرات السياسة البريطانية بأن القرار ليس إلا إرضاء للضغوط الخليجية والمصرية بشأن الهاربين من العدالة في دولهم، وأن الأمر لا يتعدى أن يكون إجراءً شكلياً. لكن بتتبع قرارات الحكومة البريطانية منذ أحداث 2005 إلى اليوم يمكنه التأكد بأن هناك تغييرات في «تقليدها» السياسي، سواء من خلال تسليم الأردني «أبوقتادة» أو من خلال رفض استقبال يوسف القرضاوي في إحدى الندوات التي نظمها «الإخوان» عام 2008 في بريطانيا.
وفي الواقع، منطلق القرار البريطاني ليس فقط الضغوط العربية؛ كما يفضل البعض ترديده؛ لكن هي حاجة بريطانية بعدما عانت من سلوكيات البعض منهم؛ سواء في تهديد الاستقرار الداخلي باسم الإسلام، وتدخل في هذا قصة الجندي البريطاني الذي قتل السنة الماضية. وكذلك انطلاقاً؛ من سلوكيات الدولة الدينية (ظهور جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض مناطق التي تقطنها الجاليات المسلمة). أضف إلى ذلك؛ مشاركة البعض منهم في الحرب السورية باسم الدين وهم مواطنون بريطانيون. وأيضاً هناك ضغوط من الدول الأوروبية؛ ما يعني أن احتمالات توسعة القرار البريطاني ليشمل باقي الدول الأوروبية وارد بل إن انضمام الولايات المتحدة الأميركية أمر غير مستبعد.
وإذ أردنا توسعة سبب القرار البريطاني فلا يمكن استبعاد الرغبة في «فهم» سلوك شخص يفترض أنه ديموقراطي لكن فكره لا يدل على ذلك عندما اتخذ طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، قراراً بمنع وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فالأمر هنا له علاقة بمعرفة فكر «الإخوان» الذين يستفيدون من الأجواء الديمقراطية لكن سلوكهم ليس له علاقة بالحريات.
التحقيق سيتركز حول محورين اثنين. الأول؛ دراسة فلسفة «الجماعة»، أي معرفة طريقة تفكيرها وبالتالي دراسة الهيكل التنظيمي بدءاً من «الشعار» الذي له دلالات شكلية تدين الجماعة قبل التطرق إلى أفعالها. المحور الثاني؛ مرتبط بأنشطة الجماعة: إذا افترضنا جدلاً أن ما يحدث في مصر ليس لـ«الإخوان» علاقة به، فإن الأمر يحتاج للتأكيد. وربما هنا يكمن سبب اختيار السفير البريطاني لدى السعودية ليترأس اللجنة.
«الإخوان» يدركون أكثر من غيرهم بأن المسألة غير مطمئنة. بل إن بعض كتاباتهم أخذت تعكس استيعاباً للقرار البريطاني. وهم يدركون بأن مسألة التهديدات بردات فعل «الإخوان» لن تجدي شيئاً إذا قررت بريطانيا اتخاذ قرار المنع. هناك تحرك بريطاني لوضع حد للجماعة. هناك حالة من الغضب الشعبي من المهاجرين عموماً، ومن الذين يسيسون الدين بشكل أخص.
مجرد تفكير الحكومة البريطانية في فتح تحقيق في ملف «الإخوان» يحمل معنى القلق منه. وحالة القلق أيضاً مرتبطة بما يحمِّله هؤلاء الهاربون لميزانية الحكومة البريطانية من مبالغ مالية؛ كما أنه مرتبط بحالة الخوف من تغيير ملامح الدولة العلمانية في بريطانيا بسبب «تغول» الجماعات الدينية داخلها.
هناك أكثر من مدخل يمكن من خلال تقييد الجماعة. ومصلحة بريطانيا تقتضي التقليل من أنشطة التيارات الإسلامية فيها، خاصة «الإخوان». فقد تسببت هذه التيارات بمشاكل داخلية وخارجية عندما استغلت مساحة الحرية في الإساءة للحلفاء، وعندما تسببت في مشاكل داخلية.
وفي الأخير؛ مثلما تغيرت نظرة الشعوب العربية لـ«الأخوان» بعد وصولهم للحكم في مصر، فإن البريطانيين أيضاً تغيروا على اعتبار أن السماح لـ«الإخوان» باللجوء إلى بريطانيا لم يعد كما كان، ويبقى ترقب مصير «الإخوان» في باقي الدول الأوروبية الأخرى هو الخطوة التالية. وطالما بدأت العملية فلن تقف عند حد معين بل ستستمر إلى النهاية، أي حتى حظر «الجماعة».
المصدر: الاتحاد