كاتبة إماراتية
كتبت كثيراً عن المشاعر الإنسانية والسلوك التابع لها سواء من صاحب المشاعر أو ردات فعل من حوله بشأنها. وهو ما أجده باستمرار أعجب ما يمكن أن يستوقفني في الحياة، فذلك الطيف الذي يتحرك في صدورنا بهدوء وراء كل ما نشهده من تقدم أو تخلف.. إبداع أو خراب. وقناعتي راسخة بأن السر الكوني يكمن في تلك المشاعر الخفية التي تنمو في غفلة من صاحبها لتكبر وتتغذى وتتحول إلى سلوك يؤثر على الكون برمته لا على صاحبه فقط؛ ولذا تتركز نظرتي إلى الكثير من المواقف حولي على نقطة المشاعر التي يتخطاها الأغلب!
هذا الأسبوع استوقفني مشهد في غاية الغرابة، تحدثت بشأنه أكثر من مرة مع أشخاص مختلفين ثقافياً لعلي أسمع أمراً مغايراً لم أستوضحه يعيدني لتقويم رأيي، وأردت أن أطرحه هنا لعله يصلني ما يغير موقفي. وصلني «فيديو كليب» قصير لأحدهم يتحدث هاتفياً مع رجل دين عن زوجته، ويخبره عما فعله بهذه المرأة التي قضى معها 21 عاماً، وكانت حياته طيبة إلى أن قرر أن يتزوج بأخرى، فرفضت الزوجة ذلك وأخبرته أنها لن تقبل بشريكة، وعليه أن يطلقها إذا مضى في قراره، فطلب منها أن تبرئه من حقوقها، فرفضت، فقام بطردها من منزلها، وأخذ كل ما لديها بحجة رغبته في تعجيزها وجبرها على قبول زواجه الثاني!
القصة عادية جداً وقد تتكرر باستمرار في كل المجتمعات حولنا، فهناك الكثير من الرجال والنساء الذين يصرون على المبالغة في الخصومة والتطرف فيها دون مراعاة لعشرة أو أبناء، ولكم العجب في ملفات محاكم الأحوال الشخصية. غير أن ما أثار حنقي إصرار ذلك الرجل وتبجحه بالاتصال برجل الدين طالباً منه مؤازرته في فعلته، وتأييده في أن ما يقوم به هو حق ولا ظلم فيه، رغم وضوح الفعل وجلاء وقعه الجائر على زوجته وبيته وأبنائه. انشغلت كثيراً بما وراء هذا الرجل وما سبق فعله هذا، وأقصد فعل الاتصال وطلب المؤازرة علناً، وما المشاعر التي حركته ليعتقد أن له الحق في ذلك.
هل هي مشاعر حب جارف لتلك السيدة فقام بظلمها لأنه لا يرغب في تركها! أم هي مشاعر كبر وجبروت تجعله لا يرى إلا مصلحته، وفي كل الأحوال كيف تربت هذه المشاعر أساساً في قلبه؟ أعتقد أن تفكيك هذا الأمر لن يساعد تلك السيدة أمام ظلمه، ولكنه بالتأكيد سيجعلني ويجعل غيري نفكر طويلاً -قبل أن نبدي سلوكاً يؤثر في الآخرين حولنا- في منبع المشاعر التي سبقت ذلك السلوك وماهيتها.. لعل ذلك يجعلنا نعيد التفكير مرتين قبل أن نفعل.
المصدر: الاتحاد