مشاعل النبوغ

آراء

عندما ترفع الثقافة مشاعل النبوغ في مضارب الناس الأوفياء، وعندما تبدو الثقافة قناديل وعي بين زقاق أهلها، وعندما تخرج الثقافة من بين ثنيات وجدان عشاق الفن، وعندما تمد الثقافة للمدى خيوط التواصل بين مراحل التاريخ، وتصبح في الزمان أغنية على لسان الطير، وعندما تتمتع الثقافة بحلي الازدهار، مرصعة على النحور، والصدور، وعندما تصير الثقافة مناهل لعذوبة الأحلام، وعندما يتكئ الإنسان على عصا الوعي المنسوج من أهداب الثقافة، عندما يحدث كل ذلك، تزدهر حقول الأوطان بالعشب القشيب، وترتفع قامات أهلها، وتسمو جباههم، وتشمخ رؤوسهم، وتصبح أعناقهم جذوعاً لنخيل التطور، والنمو. وفي الإمارات بفضل العشاق.. عشاق الحياة أصبحت الدولة اليوم واحة خضراء يانعة أغصان أشجارها، رائعة ثمارها، لأن الوعي بأهمية الثقافة، هو سر ذلك النهوض المبجل، وهو سبر هذه السماوات المرصعة بالنجوم، وهذا المدى الممتد بين سين السياسة الثقافية، وصاد الصيرورة، التنموية، واستدامتها، وعلو كعبها، وصفاء أجوائها.

الثقافة في الإمارات، ليست ترفاً اجتماعياً، وإنما هي ملاءة مخملية، تخبئ تحت قماشتها طموحات، يبلغ مداها الجهات الأربع، لإدراك القيادة الرشيدة أن للثقافة لسان صدق، وللإبداع سحره في تقديم ما يلزم من مهارات تساند القافلة الاقتصادية، لتأدية واجبها النهضوي، بحكم أن الثقافة تنبثق من وجدان أمة لها في العطاء ما يتشكل بين اتحاد العقل الاقتصادي، والروح الإبداعية، ولا قامة، ولا مقامة، ولا قوامة للنهضة الاقتصادية في غياب الروح الإبداعية، كون الاقتصاد في حد ذاته لا ينهض، ولا يستقيم، ولا يزدهر، إلا بمباركة ثقافية، وانسجام ما بين ضلعي مثلث النمو الاجتماعي.

واليوم الإمارات تفتخر كونها الدولة المركزية اقتصادياً، وشعلة العالم الثقافية، وهذا ما منحها قوة الحضور الإنساني في مختلف المنتديات العالمية، وأثرها البارز في تقديم الأفكار التي تخدم طموحات العالم، لأن الاقتصاد منجز كوني، والثقافة منجلها الذي من خلاله تتم عملية البحث والتحري عن متطلبات الوجدان البشرية، وما يصبو إليه العالم، من الوحدة الوجودية اللازمة للبقاء، والديمومة، واستدامة الحياة.. حياة الرفاهية، وارتفاع منسوب الطاقة الإيجابية لدى شعوب العالم المحبة للحياة، العاشقة للسلام النفسي، والوئام الروحي.

العالم اليوم بحاجة إلى ثقافة السلام أكثر من أي وقت مضى، حيث الحروب الطاحنة، والصراعات الدموية، أنهكت الوجدان الإنساني، وأحرقت أعشاب الأرض، وأبادت المشاعر، وجعلت من العالم دائرة بنصفين، نصف مسيطر، وفاحش، ونصف مستولى عليه يقف في ذيل القائمة، ومن هنا يأتي دور الثقافة، في تجريف الأرض الإنسانية، وتقليب تربتها، لإعادة زراعتها بالوعي بأهمية أن نكون واحداً لا اثنين.

بهذه السياسة تمضي القيادة الإماراتية، في صناعة الوعي الثقافي، وفي ترتيب وتشذيب أغصان اقتصادنا.

المصدر: الاتحاد