في منطقة البطين الهادئة بأبوظبي، يطل معرض الشيخ زايد، شاهداً على ما قدمه الراحل الكبير لوطنه وأمته العربية من خير كثير عبر سنوات عمره المليئة بالكفاح والعطاء، وهو ما أسفر في النهاية عن ظهور دولة الإمارات نموذجا للدولة العصرية القائمة على أسس تراثية خاصة بها، منحتها نجاحا متفردا على مستوى العالم، ويقدم المتحف لزائريه مجموعة من أبرز مقتنيات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والصور النادرة التي تعكس مسيرة الشعب الإماراتي مع الشيخ زايد منذ منتصف القرن الماضي حتى رحيله عن عالمنا في الثاني من نوفمبر عام 2004، الموافق 19 رمضان 1425 هجرية.
يقع معرض الشيخ زايد في مبنى ذي طراز تاريخي عريق يماثل الحصون التي بناها حكام الإمارات عبر الزمن، مقدما من خلال محتوياته وجبة تراثية معرفية نادرة تدعو كل من تطأ قدماه أرض الإمارات إلى زيارة هذا المعلم السياحي التاريخي المهم، الذي يسرد وبشكل حي أهم الوقائع والمراحل التاريخية في حياة الشيخ زايد، ومدى ارتباط الشعب الإماراتي بالوالد المؤسس، وحرصه على نقل دولته من عالم البداوة والصحراء القاحلة إلى واحدة من أكثر دول العالم تقدما وانفتاحا وهو ما يشهد له بالنجاح فيه القاصي والداني، سواء داخل الإمارات أو خارجها، إلى حد اعتبار الجميع الشيح زايد شخصية غير عادية جاد بها الزمان على أهل هذه المنطقة من العالم، واستطاع تغيير مصيرها وملامح الحياة فيها خلال سنوات قلائل.
العزة والقوة
لدى دخول المعرض يطالع الزائر مجموعة من الصور النادرة تبين مراحل مهمة في حياة الشيخ زايد وإشرافه على كثير من أعمال البناء والتطوير في الدولة، وحرصه على نشر الخير والتحضر في كافة أرجائها.
وإلى اليمين يعرض جناح تابع لشركة أبوظبي للعمليات البترولية «أدكو»، مراحل تاريخية عن النفط وعلاقته القوية بعمليات التحديث والتطوير التي حققتها الإمارات، ودور المغفور له في هذه الحقبة التاريخية المهمة للدولة.
ثم يدخل الزائر القاعة الكبرى التي تحوي عددا هائلا من مقتنيات الشيخ زايد منها أنواع العطور والدخون التي كان يفضلها والسيارات التي كان يستخدمها والأوسمة والنياشين، وصناديق زجاجية تحوي مجموعة من الأشياء النادرة، منها أول مصحف طبع في الإمارات على نفقة الشيخ زايد في سبعينيات القرن الماضي، وسيوف ومفاتيح مدن مهداة إلى شخصه من أنحاء العالم، وحيوانات المحنطة مهداة إليه رحمه الله، والأسلحة التي كان يستخدمها في رحلات الصيد، بالإضافة إلى مقعدين كان يستعملهما في استقبال ضيوف الدولة والمقعدان محاطان بمجسم لأسد من اليمين ونمر من اليسار وصقر واقفاً على شجرة في الوسط، ليرمز بذلك إلى معاني العزة والقوة التي بنى عليها دولة الإمارات الحديثة.
فيلم وثائقي
يتخلل الجولة عرض فيلم وثائقي يعرض تاريخ دولة الإمارات وإسهامات الشيخ زايد القوية في هذا التاريخ، وفي وسط القاعة مجسم ضخم يحوى عدد هائل من صور لقاءاته مع زعماء العالم والميداليات والأوسمة والقلادات والجوائز التي حصل عليها خلال زياراته أنحاء العالم سعيا لمد جسور التواصل والمحبة مع شعوب الأرض.
ومن أبرز ما تضمه القاعة الكبرى، لوحة فريدة من نوعها في العالم ينتظر أن تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، واللوحة تمثل صورة الشيخ زايد رحمه الله، تم عملها باستخدام آلاف الطوابع البريدية، وعلى مساحة 7 أمتار في خمسة أمتار تقريبا وسيتم الكشف عنها في القريب العاجل؛ بحسب إدارة المتحف.
ومن زوار المتحف براين وليامز، عسكري متقاعد من أستراليا، كان ضمن الوفد السياحي مع زوجته، يقول: إنه قرأ عن سيرة حياة الشيخ زايد بعض الكتيبات البسيطة، غير أن رؤيته لمتحف خاص به، كان له معنى آخر، شعر من خلاله بالقيمة الكبرى لهذه الشخصية التاريخية التي استطاعت تغيير مصير بلدها، وجعلها دولة عصرية في سنوات قلائل، وهو ما بدا عبر المباني الجميلة في العاصمة أبوظبي والطرقات والشوارع التي جرى تخطيطها على أرقى مستوى بفعل رؤيته البعيدة وتحقيقه لحلمه في جعل الإمارات بلدا عصريا بكل ما تحمله الكلمة من معاني، مع احتفاظ أهله بعاداتهم وتقاليدهم، وهو ما لاحظه عبر رؤيته أبناء الإمارات يرتدون زيهم التقليدي رغم ثقافتهم الواسعة وتحدثهم الإنجليزية بطلاقة ومعرفتهم بأحدث علوم العصر.
تحف نادرة
إلى ذلك، يقول الدكتور راشد المزروعي، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث: إن المعرض افتتحه الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات، في أبريل 2010 باسم «مركز زايد العدل»، وفي 2012 تم إلحاقه بمركز زايد للدراسات والبحوث بعد انتقال المركز من العين إلى أبوظبي بحيث صار واحداً ضمن مكونات مركز البحوث الذي يتكون من وحدة البحوث، وحدة الشعر والأدب الشعبي، وحدة المعارض والمتاحف التي تضم متحف الشيخ زايد بعد إلغاء الاسم الأول «مركز زايد العدل».
ويؤكد: «هذا المعرض يعتبر أول متحف رسمي أقيم لتخليد اسم الشيخ زايد طيب الله ثراه، وهو لا يحمل الاسم فقط ولكن يحمل كل ما يتعلق بتراث الشيخ زايد، ويمثل رحلة في تاريخ الشيخ زايد من 1946 إلى أن توفاه الله مستعرضاً مراحل حياته كافة».
ومن هذه المحتويات صور المغفور له مع أبنائه المواطنين والأقارب والوزراء وحكام الدول الأخرى، ورحلات القنص وزيارات الدول الأخرى وإعلان الاتحاد وغيرها من المواقف واللحظات التاريخية التي يضمها المعرض.
وإضافة إلى الصور، يقول المزروعي: هناك بعض من مقتنيات الشيخ زايد التي كان يستعملها مثل بعض السيارات والهدايا والتحف التي تلقاها من ملوك ورؤساء وقادة العالم، وشهادات التقدير والتكريم، وبعض التحف النادرة، التي كان يحتفظ بها الشيخ زايد وتحكي جوانب خفية ربما لا يعرفها الكثيرون عن الراحل الكبير، مثل الكاميرا التي كان يستخدمها والأسلحة والعطور والكراسي التي كان يفضل استعمالها في استقبال حكام وقادة العالم، مشيرا إلى أنه من ضمن المحتويات سيارة رنج روفر التي استقبل بها الجنود الإماراتيين العائدين من حرب تحرير الكويت.
منصة المطار القديم
هناك المنصة التي كان يستقبل عليها ضيوفه في مطار أبوظبي القديم وهي مصنوعة من الخشب والألومنيوم، وتم الحصول عليها كهدية من شركة أبوظبي للمطارات، ويشمل المعرض وحدة خاصة بشركة أبوظبي للعمليات البترولية «أدكو»، يحكي تاريخ الإمارات من خلال الصور متضمنة عددا نادرا من صور المغفور له.
وفي المعرض جناح يستعرض تطور مسيرة الشرطة في إمارة أبوظبي منذ القرن الماضي مثل الملابس التي كان يرتدونها، وسائل الاتصالات التي كانوا يستعملونها، الأسلحة، وهناك تعاون بين متحف زايد والمتحف العسكري التابع للقوات المسلحة تشارك فيه بعرض سيارات قديمة أمام المتحف يتم استبدالها بمجموعة أخرى كل 6 أشهر، ومبنى المعرض يأخذ شكلا تراثيا بسيطا.
وجاري الإعداد لتطويره بشكل ضخم ليتناسب مع قيمة اسم الراحل الكبير.
ويوضح المزروعي أن الغرض الرئيس من إنشاء المتحف، تخليد اسم الشيخ زايد والاحتفاظ بصور من حياته لتكون ذكرى للأجيال الجديدة والحاضرة في الوقت ذاته المعرض يمثل خطوة مهمة تساعد الجيل الجديد على فهم أحد أبرز الآباء والمؤسسين للاتحاد ويتعرفون على مرحلة مهمة من تاريخ الإمارات بشكل مباشر وميداني.
كما يأتي المعرض خير مساهمة من نادي التراث في إبراز دور الشيخ زايد كرجل مؤسس للاتحاد ومؤسس لإمارة أبوظبي الجديدة، ودولة الإمارات بصفة عامة وإطلاع العالم عبر السائحين وزوار المعرض على هذا القائد الوحدوي.
طموحات كبرى
عن مستقبل معرض الشيخ زايد، يقول الدكتور راشد المزروعي، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث «لدينا طموحات كبرى نحاول تحقيق أكبر قدر منها من أجل تطوير المتحف ليصبح ذا سمعة عالمية يحمل اسم المغفور له، ويكون له إدارة مستقلة، وميزانية مستقلة، ومبنى خاص به، سواء في الموقع الحالي أو في أي موقع آخر».
ويضيف «نعمل على أن يمتد عمل المعرض طيلة أيام الأسبوع وتزويده بالاحتياجات الإلكترونية مواكبةً للعصر، ونسعى مستقبلاً إلى زيادة التفاعل الإعلامي والسياحي مع المتحف، إيمانا بقيمة مقتنياته في استعراض مراحل مهمة في تاريخ الوالد الراحل وشعب الإمارات».
أكبر لوحة بريدية في العالم تحمل صورة زايد
يضم المتحف أكبر لوحة بريد في العالم تمثل صورة الشيخ زايد رحمه الله مصنوعة من طوابع بريد تم الحصول عليها من مجموعة الإمارات للبريد العام الماضي، وهي مسجلة ضمن موسوعة جينيس، وبها مجموعة طوابع تقارب الـ 60 ألف طابع تقريباً وهو عدد ضخم يستخدم للمرة الأولى في التاريخ في رسم صورة شخصية ما.
تطور الإمارات يبهر فتى الكاريبي
آندي من جزر الكاريبي، أبدى إعجابه بطريقة طرح المقتنيات والعرض التلفزيوني المبسط عن الإمارات وتاريخها، مؤكدا أنه وأصدقاءه تغيرت فكرتهم تماما عن الإمارات ومنطقة الخليج، حيث كان يعتقد أنها منطقة صحراوية وتسير الجمال في كل مكان بها وكأنها بلا نظام ولا تحضر.
ولكنه انبهر بحالة التقدم الشديدة التي تعيشها الدولة وتتفوق من خلالها على كثير من دول العالم المتقدمة، وهو ما يثبت قدرة الإماراتيين على صنع إنجازات قوية تعجز عن تحقيقها دول كثيرة.
7 أيام لا تكفي
أرنيستو، سائح قادم من الكاريبي، قال إن مقتنيات المعرض شائقة جدا وعبرت عن مراحل مهمة في تاريخ الإمارات، موضحا أن رحلته إلى الإمارات سبعة أيام فقط، ولكن بعد مجيئه تمنى لو كانت أكثر حتى تزيد معرفته بحياة الإماراتيين ويطلع أكثر على الكيفية التي حققوا بها هذه النهضة تحت زعامة الشيخ زايد رحمه الله.
قيمة تاريخية
قالت المرشدة السياحية، كارلا من دولة بوليفيا، إنها جاءت إلى معرض الشيخ زايد أكثر من مرة بحكم طبيعة عملها، وهي تدرك القيمة التاريخية لباني ومؤسس دولة الإمارات، وهو ما يجعلها تنقل صورة مبهرة عن الشيخ زايد رحمه الله إلى الوفود السياحية التي ترافقها، وتزداد دهشتهم وإعجابهم بشخص الراحل الكبير حين يزورون المتحف ويطالعون مقتنياته، ويدركون مدى ثراء حياة المغفور له بالأحداث والمواقف وتعدد جوانب شخصيته التي جعلت منه قائداً محورياً في المنطقة والعالم.
تشجيع السياحة
من أهداف إقامة المعرض، يقول راشد المزروعي، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث، تشجيع السياحة في الإمارات وأبوظبي وجعل نادي التراث بكل وحداته مقصداً سياحياً مهماً في الدولة حيث يستقبل المتحف عشرات الآلاف من الطلاب من إمارة أبوظبي وباقي إمارات الدولة سواء من مؤسسات وأفراد.
ويستقبل أفواجاً من كل دول العالم الشغوفين بالتعرف على شخص الشيخ زايد.
ويلفت إلى أن المعرض مفتوح طوال أيام الدوام الرسمي من الساعة الثامنة إلى الساعة الثالثة بعد الظهر مع وجود مرشدين متخصصين يرافقون الزوار بأكثر من لغة.
والمعرض له مشاركات خارجية كثيرة ضمن الفعاليات الوطنية والتراثية في الدولة ومنها معارض الكتب، العيد الوطني، مهرجانات الأمل، مهرجان الصيد والفروسية، الاحتفالات التراثية الأخرى في الدولة، كما أن كثيراً من المؤسسات تدعو إدارة المتحف للمشاركة بعرض مقتنيات الشيخ زايد في كافة الفعاليات والأحداث الوطنية المهمة على مدار العام.
أحمد السعداوي (أبوظبي)
الاتحاد