اختتم الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس (السبت) زيارة للسعودية استغرقت يومين، في نهاية جولة أوروبية تضمنت محطات عدة. وقضى أوباما ليلته في فندق «ريتز» بالرياض. وكان في وداعه أمير الرياض خالد بن بندر ونائبه الأمير تركي بن عبدالله. وأكد البيت الأبيض في بيان أمس الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لعلاقاتها القوية مع السعودية التي تجاوزت أكثر من 80 عاماً. وقال إن الولايات المتحدة والسعودية تعملان معاً على معالجة عدد من القضايا الحرجة الثنائية والإقليمية، بما في ذلك حل الأزمة في سورية، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وجهود مكافحة الإرهاب الدامية لمحاربة التطرف، ومساندة المحادثات الهادفة لإحلال السلام في الشرق الأوسط.
وذكرت وكالة «أسوشيتد برس» أمس أن للسعودية اهتماماً خاصاً بجميع أزمات المنطقة، لكنها أضحت قلقة في الآونة الأخيرة حيال مواقف أوباما تجاه مشكلات المنطقة، في وقت يشهد تغيراً سريعاً لا يمكن التنبؤ به في العالم العربي، واعتبرت أن زيارة أوباما للرياض تعد إظهاراً للاحترام لقلق العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز إزاء سورية والمحادثات النووية مع إيران، ونسبت إلى مسؤولين أميركيين كبار قولهم إن أوباما والملك عبدالله بن عبدالعزيز أجريا مناقشة صريحة في شأن خلافاتهما، وشددوا على حرص أوباما على إيضاح وجهات نظره بحضوره الشخصي.
وأضافت أنه على رغم أن محادثات أوباما في السعودية لم تخرج باتفاقات جديدة، إلا أن اجتماع الزعيمين السعودي والأميركي ربما يساعد بلديهما في تجسير هوة الخلافات بينهما في شأن سورية على وجه الخصوص. وأشاروا إلى أن الاختراق المحتمل في هذا الشأن سيتعلق بطلب السعودية أن تقر واشنطن إرسال أنظمة دفاع جوي للثوار السوريين، وهي خطوة ذكر أن أوباما يعكف على درسها، على رغم تحفظاته المستمرة تجاهها. وقال بيان البيت الأبيض في شأن التعاون العسكري بين البلدين، إن القوات المسلحة السعودية والأميركية تتمتعان بشراكات مميَّزة، وتشاركان في مناورات مشتركة لتحقيق المصالح المشتركة في أمن الخليج، ووصف السعودية بأنها أكبر مشتر للمبيعات العسكرية الأميركية بعقود تقدر قيمتها بـ97 بليون دولار، وذلك في سياق سعي المملكة لبناء قدراتها لمواجهة جميع التحديات في المنطقة. وفي شأن جهود مكافحة الإرهاب، ذكر البيت الأبيض أن السعودية تُعد شريكاً قوياً للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، خصوصاً في استهداف عناصر تنظيم «القاعدة». وأضاف: «نعمل مع السلطات السعودية بشكل وثيق في سلسلة من قضايا مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مكافحة تمويل الإرهاب، كما تعمل الولايات المتحدة والسعودية معاً لمساعدة دول مختلفة في المنطقة على التصدي للتهديدات الإرهابية المشتركة».
وفي ما يتعلق بالتجارة والاستثمار الثنائية، أوضح البيت الأبيض أن الصادرات الأميركية للسعودية في عام 2013 تجاوزت 35 بليون دولار، بما في ذلك صادرات مباشرة قيمتها 19 بليوناً بزيادة نسبتها 76 في المئة من أرقام العام 2009. فضلاً عن صادرات خدمية بنحو بليوني دولار، وصادرات غير مباشرة تقدر بـ15 بليوناً إضافياً. ونوّه بيان البيت الأبيض بالتقدم الذي أحرزته السعودية في شأن التزامها بتحسين نظام حقوق الملكية الفكرية، ما أتاح لها تطوير اقتصاد معرفي متنوع، وتحسين المناخ الاستثماري لتلقي المشاريع التجارية الأميركية. وأشار البيان إلى التعاون في مجال الطاقة، مؤكداً أن التعاون الثنائي القائم منذ فترة طويلة في مجال الطاقة «يزداد قوة، ليس فقط في قضايا أسواق الطاقة التقليدية، بل يشمل كفاءة الطاقة، ومصادر الطاقة المتجددة والطاقة البديلة الأخرى». وأوضح أن السعودية تعمل مع المعمل القومي للطاقة المتجددة، التابع لوزارة الطاقة الأميركية، لقياس مصادر الطاقة الشمسية التي تملكها السعودية، وقال إن السعودية تعمل أيضاً مع وزارة الطاقة الأميركية ووكالة الحماية البيئية الأميركية وجهات أخرى لتطوير كفاءة الطاقة في المملكة، بما في ذلك المعايير الاقتصادية لوقود المركبات.
وذكر البيان أن نحو 88 ألف مبتعث سعودي يدرسون في الولايات المتحدة، وهو عدد أكبر من أي وقت مضى. وأشار إلى برنامج تبادل زيارات المواطنين المستمر منذ عقود، وذكر على وجه الخصوص برامج قيادة الزائر الدولي التي قال إنها تركز على الحوار بين الأديان، والتطوع، وتمكين المرأة، وتشجيع العمل التجاري، وقضايا الصحة العامة. كما أشار إلى التعاون في مجالي العلوم والتكنولوجيا، تبعاً لاهتمام السعودية بتطوير صناعات تقوم على المعرفة. وألقى البيان ضوءاً على البرامج البيئية وكذلك برامج التعاون الصحي، واصفاً البلدين بأنهما «شريكان وثيقان» في مجال التعاون الصحي منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقبل مغادرته الرياض أمس التقى أوباما الناشطة الاجتماعية السعودية مها المنيف، في أحد فنادق الرياض، لتسليمها جائزة «أشجع امرأة» التي منحتها وزارة الخارجية الأميركية قبل أسابيع، لكن المنيف لم تحضر حفلة توزيع الجوائز في مقر وزارة الخارجية الأميركية آنذاك برعاية الأميركية الأولى ميشيل أوباما. وأشاد الرئيس الأميركي بجهودها أثناء التقاط الصور بينما كان يسلمها الجائزة، قائلاً: «لإقناعهم (السعوديون) بأن هذه المسألة ستحقق أهمية على المدى الطويل». وأضاف: «نحن فخورون كثيراً جداً بك، ونُكِنُّ امتناناً لك، نظراً إلى ما تفعلينه هناك». والمنيف هي المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري الوطني وعضو الشبكة العربية لحماية الطفل من الإيذاء، وتبذل جهوداً لمكافحة العنف الأسري والعنف ضد الأطفال، وتحمل المنيف درجة البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة الملك سعود. ونقلت «رويترز» عن مسؤول أميركي كبير قوله أمس إن أوباما والعاهل السعودي الملك عبدالله ناقشا بعض «الاختلافات التكتيكية»، لكنهما اتفقا على أن المصالح الاستراتيجية للبلدين لا تزال متوافقة. وكان البيت الأبيض ذكر – في بيان بعد ساعتين من المحادثات – أن أوباما أكد الأهمية التي توليها الولايات المتحدة «لعلاقاتها القوية» مع السعودية. وقال المسؤول: «أعتقد أنه كان من المهم الحصول على فرصة للقدوم لرؤيته (الملك عبدالله) وجهاً لوجه، وتوضيح مدى إصرار الرئيس على منع إيران من امتلاك سلاح نووي». وأضاف أن الاجتماع كان فرصة للتأكيد للملك «أننا لن نقبل باتفاق سيئ، وأن التركيز على القضية النووية لا يعني أننا غير مهتمين بأنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة أو لا نركز كثيراً على المسألة. وتابع المسؤول أن الزعيمين أجريا مناقشة شاملة حول سورية، إذ قتل 140 ألف شخص خلال الصراع الدائر منذ ثلاثة أعوام. وقال إن البلدين يعملان معاً «على نحو جيد جداً» لتحقيق الانتقال السياسي ودعم جماعات المعارضة المعتدلة.
المصدر: الرياض – «الحياة»