ممكن أتعرف هذه الطلب الروتيني المتوقع دائما بعد كل قبول لصديق على الفيس بوك. وكالعادة أرد على هذا الرجل الغريب القاطن في مكان ما بهذا العالم لماذا تريد التعارف؟ ويأتي الجوب ب” لنكون أصدقاء” متبوعا بوجه مبتسم كهذا 🙂 .
أصدقاء!!! ماذا يعني أصدقاء؟
بالمفهوم الفيسبوكي الصداقة هي أن تدردش مرة أو أكثر مع شخص آخر مظهرا اهتمامك بمشاركاته على الحائط الشخصي وقد تمنحه بعض اللايكات والتعليقات من حين لآخر وبذلك أنت تكون “صديقا”.
بهذه البساطة، الأمر لا يحتاج إلى تعقيدات وأطر العلاقات المملة كالمعرفة العميقة للصديق، ومشاركته همه وفرحه، وزيارته عند المرض أو العودة من السفر، لم تعد هذه أخلاقيات الصداقة، وما هو أهم من ذلك إن في هذه المواقع إن لم تكن صديقي فأنت حتما لست عدوي. لطالما تعلق لي ما أحب أن أقرأ، وتبدي إعجابك بما أكتب، ولاتبالغ بالنقد الهدام وإلا حذفتك، وتسألني عن الحال وأجيبك بكل خير، إذن نحن أصدقاء وهذه المواقع حققت غرضها السامي ألا وهو تسهيل “التواصل الاجتماعي”.
لحظة: التواصل الاجتماعي تعبير ليس دقيقا ولا منصفا، أتعلمون لماذا؟
لأن هذه المواقع فعلا سهلت التواصل مع الآخر، ولكنها قطعت التواصل مع من هم ينتظروننا على العشاء في صالة المنزل. يوميا أنا على موعد مع صراخ أمي الذي غالبا ما تبدأه بمقولتها الشهيرة “من يوم جبنا لك هالفيسبوك وما عدنا شفناكي”. أكاد أبكي أحيانا حين تدخل غرفتي وتقول “مشتاقة لك”.
عجبي كيف يشتاق لنا من هم بقربنا، ويتخمون من تواصلنا اللحظي من هم وراء الجدار الفيسبوكي؟ هل كانت مسألة اختيارية؟ أم أن أهلي لم يجذبوني بشكل كاف كما فعل أولئك الذين سكنوا منزلي الفيسبوكي؟
الحقيقة أن لا حقيقة تقال بهذا الموضوع. والمهم أن لا شيء مهم يذكر حوله. وببساطة أننا بسطنا كل عقد هذا العصر ومشاكله كي لانفقد الشعور الرائع بأننا بخير.
لم يعد التفكير بسلبية الأشياء وإيجابيتها شيئا مجديا إذ أن هذه المعايير باتت مملة وقديمة وغير كافية لنتوقف عن فعل شيء أو نستمر في ممارسته. لابد من ابتكار معايير جديدة لها وقع أشد، كأن نقول لمواقع التواصل الاجتماعي كوارث “بمعنى سلبيات” وأهمها التالي. ونقوم بسرد ما نراه نحن – قد لا يشاركنا أحد آخر الرأي- كارثة، ولأن كل ما يقال هو مجرد “وجهات نظر”، لا داع للخوض بهذه التجربة إذن، ومواقع التواصل الاجتماعي هي رائعة بالفعل ونحن بخير.
حنين عساف
لمزيد من المعلومات عن الكاتب انقر هنا