تعلمنا من الشيخ زايد دروساً حياتية عديدة، تعلمنا أن اليد الممدودة بالخير لا تثمر إلا الخير، تعلمنا بأن العطاء والوقوف بجانب الضعيف وإغاثة المحتاج، والذي هو جزء من إرثنا الأخلاقي والديني، يظهر وقت الشدة والضيق كما يظهر في أوقات الرخاء.
مسارعة الإمارات إلى إغاثة أهلنا في غزة ولبنان بكل قوتها وبأقصى سرعة ممكنة هو امتداد لسياسة الإمارات الخارجية والأخلاقية التي خطها زايد وسارت عليها القيادة السياسية حتى الآن.
الإمارات مدركة بأن المتضرر من الأحداث الدرامية المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط هم المدنيون والذين لا حول لهم ولا قوة. لقد شردت الحرب الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط الملايين الذين باتوا يفترشون الطرقات والذين اضطر بعضهم إلى الهجرة والتي هي أمر من البقاء في أوطانهم. فسلسلة العنف المتزايدة وعدم الاستقرار أجبر الكثيرين على طرق أبواب ليست بأبوابهم وافتراش الحدائق العامة والملاجئ والطرقات.
خيار الحرب أمر سيئ بلا شك، ولكن الأسوأ هو أن يجد هؤلاء المدنيون أنفسهم بلا أدني مقومات الحياة، فهم أقرب للموت شأنهم شأن من يقاتل على جبهات القتال. اقتصاد متوقف وبطالة متفشية وبيوت مدمرة، ونقص في مقومات الحياة الأساسية من طعام وماء ومأوى، كل ذلك يجعل من أي مجتمع على حافة الانهيار. هذا في الواقع ما يحدث في الدول التي تتعرض لحروب ونزاعات وحالات عنف.
دولة الإمارات خلال السنة الفائتة حذرت مراراً وتكراراً من الانزلاق في أتون هذه الحرب التي سوف تقضي على الأخضر واليابس، ولكن الأحداث المتسارعة أدت وبطريقة دراماتيكية إلى التصعيد المستمر الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين وشردت الملايين.
أمام هذه المحنة الإنسانية القاسية لم يكن بوسع الإمارات إلا التخفيف عن أولئك المتضررين. لقد فعلت الإمارات كل ما في وسعها لمساعدة ضحايا الحروب والنزاعات والتخفيف من آثارها على الضحايا. فقد سيرت جسراً جوياً بآلاف الأطنان من المساعدات إلى غزة، واليوم إلى لبنان الذي بات في أمس الحاجة للمساعدة نتيجة الظروف الاقتصادية التي مر بها في الأعوام الأخيرة.
فما أن بدأت حملة «الإمارات معك يا لبنان» حتى سارع المواطنون والمقيمون إلى التحرك السريع بكل قوتهم لمد العون لهذا الوطن الجريح. فمنظر المدنيين الذين باتوا يقيمون في الشوارع والميادين العامة منظر مؤثر.
الإمارات وشعبها، الذين استقوا قيمهم الأخلاقية من إرث زايد، لم ينتظروا لحظة، بل وقفوا إلى جانب إخوتهم في لبنان يمدونهم بالغذاء والدواء دون شروط أو قيود. إنه موقف عودنا عليه الأب المؤسس الشيخ زايد وسارت عليه قيادتنا الرشيدة.
إن العنف الدائر حالياً سوف يكون له نتائج كارثية على مستقبل تلك البلدان ومستقبل المنطقة العربية ككل. انهيار البنى التحتية في هذه البلدان، انتشار البطالة نتيجة توقف الاقتصاد، توقف التعليم، انهيار الزراعة والسياحة، انتشار الأمراض نتيجة انعدام الأمن الصحي والبيئي وغيرها الكثير. كلها قضايا خطيرة تؤثر على بنية تلك المجتمعات وعلى المنطقة.
إن الإمارات عندما تمد يدها بالمساعدة لا تهدف فقط إلى رعاية ضحايا الحروب والنزاعات، بل إلى تجنيب المنطقة بأسرها من الانزلاق نحو مآلات خطيرة. إن وقف تلك النزاعات يحتاج إلى تكاتف الجهود الإقليمية والدولية وبعد نظر ورؤية سليمة وحكيمة للأمور.
وفي هذه الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة العربية نحن في أمس الحاجة إلى تحكيم العقل والمنطق، والابتعاد عن السيناريوهات الهوجاء التي كلفت المنطقة العربية الكثير من الجهد، وأزهقت أرواح الملايين من البشر الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم يعيشون في ظل قيادات فاشلة.