كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
«لو رآكم زايد لدمعت عيناه.. أنتم غرسه وثمرة عمله وتتويج مسيرته». بهذه الكلمات خاطب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فريق عمل «مسبار الأمل» عند الكشف عن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ عام 2015.
واليوم يطلق مركز محمد بن راشد للفضاء ثالث قمر صناعي له بعد «دبي سات1» و«دبي سات2» وأول قمر مصنّع بأيدٍ إماراتية 100% «خليفة سات». الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا تهتم دولة الإمارات بالفضاء، وإلى أي مدى يخدم الاهتمام بالفضاء شعبنا وسكان الكرة الأرضية، وهل يستحق الفضاء أن تُرصد له هذه الميزانيات الضخمة، ولماذا تذكّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الشيخ زايد، عليه رحمة الله، وهو يعلن عن مشروع «مسبار الأمل» قبل ثلاث سنوات؟
يروي معالي وزير الدولة زكي نسيبة، الذي رافق الشيخ زايد، عليه رحمة الله، منذ ستينيات القرن الماضي، أنه حضر نقاشاً في مجلس الشيخ زايد حول رحلات الفضاء، شارك فيه الحضور، واتفقوا جميعاً على أن الصرف على الفضاء وأبحاثه هدرٌ لا مبرر له، لكن الشيخ زايد، عليه رحمة الله، خالف الجميع قائلاً إن هذا استثمار وليس هدراً، لأن من يسيطر على الفضاء يسيطر على الأرض.
هذه النظرة الثاقبة هي التي جعلت الشيخ زايد، عليه رحمة الله، يهتم بالفضاء وأبحاثه قبل أكثر من أربعة عقود، والرواية هذه المرة لعالم الفضاء العربي الشهير الدكتور فاروق الباز، الذي يقول إن وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» اقترحت على وزارة الخارجية الأميركية عام 1974 ابتعاثه لإلقاء محاضرات في دول الخليج العربية عن النتائج العلمية لرحلات أبوللو إلى القمر، في إطار الجهود التي كانت تبذلها الحكومة الأميركية لتحسين علاقتها مع الدول العربية بعد حرب أكتوبر 1973.
وقد بدأ جولته من الشمال إلى الجنوب، وكانت الإمارات آخر محطة فيها· وبعد إلقاء المحاضرة الرئيسية له في «النادي السياحي» بأبوظبي، التقى الشيخ زايد، عليه رحمة الله، وقد حمل معه ما كان أعده لهذا اللقاء، وهو صورة من صفحة القرآن الكريم التي تشتمل على سورة الفاتحة بالعربية والإنجليزية، والتي أرسلها على متن رحلة «أبوللو15» إلى القمر، ونسخة من تسجيل تحية إلى أهل الأرض باللغة العربية كما تعلمها منه رائد الفضاء الأميركي الفريد وردن، وأهداها من فوق سطح القمر، وخريطة للقمر موضح عليها أسماء العلماء العرب الذين خُلدت أسماؤهم على تضاريسه عرفاناً بما قدموه للإنسانية·
يقول الدكتور الباز إن الشيخ زايد، عليه رحمة الله، ابتهج بما رآه كثيراً، وظهرت ابتسامة كبيرة على وجهه عندما رأى خريطة القمر المدونة عليها أسماء علماء العرب الفطاحل، مثل البيروني والبتاني وأبو الفداء وغيرهم، وقال إن هؤلاء علمونا أسباب منازل القمر، ولولاهم لما تمكنا من الترحال الآمن في صحارينا في ظلام الليل مهتدين بمواقع النجوم وأشكالها· وقد أسهب في الحض على الاهتمام بالجيل الصاعد، ونقل العلم لهم، وابتهج أكثر عندما علم أن الدكتور الباز سيحاضر في مدارس أبوظبي الثانوية للبنين والبنات.
وعلى خلفية هذا اللقاء رشح الدكتور الباز دولة الإمارات لتكون واحدة من محطات جولة قام بها مجموعة من رواد الفضاء الأميركيين عام 1976 في المنطقة، وقد استقبلهم الشيخ زايد، عليه رحمة الله، والتُقطت له معهم صور تذكارية، وقدم دعماً سخياً لبرامج «ناسا» وأنشطتها التي تفيد الإنسانية، قائلاً إنه وشعب الإمارات يسعون إلى الحصول على كل ما يساعدهم على النهوض بدولتهم وغيرها من دول العالم الشقيقة والصديقة، ومنها الاستفادة من علوم الفضاء.
هذا الاهتمام الذي أبداه الشيخ زايد، عليه رحمة الله، بالفضاء وعلومه قبل أكثر من أربعين عاماً، تواصل لدى أبناء زايد وأحفاده، وانعكس على شكل مشاريع يحسبها البعض أحلاماً، لكنها تتحقق اليوم على أرض الواقع.
وما إطلاق «خليفة سات» إلا واحد منها، فهو أيقونة تقنية متطورة، تم تصنيعه بأيدي فريق مكون بالكامل من مهندسي مركز محمد بن راشد للفضاء الإماراتيين، وهو أول قمر صناعي يتم تطويره داخل الغرف النظيفة في مختبرات تقنيات الفضاء بالمركز، كما أنه «رسالة لكل العرب بأن لحاقنا بعصر الفضاء ليس بعيداً ولا مستحيلاً، وأن دولتنا ستكون رائدة في هذا المجال، ولدينا الثقة والشجاعة للدخول في منافسة الدول الكبرى في هذا الميدان» مثلما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وبإطلاق هذا القمر المصنّع بأيد إماراتية نؤكد للجميع أنه في عالم تعصف به الحروب والأزمات والصراعات، تقدم دولتنا نفسها للعالم نموذجاً للجانب الإيجابي من الحياة، ويقدم أبناؤها أنفسهم سفراء خير ومحبة وسلام، يسعون إلى إسعاد أنفسهم وغيرهم، ويسخرون العلم لخدمة مجتمعهم والإنسانية جمعاء.
«من خيمة صغيرة قبل 43 عاماً بدأ زايد وراشد، ووصلا الليل بالنهار لبناء إنسان الإمارات. واليوم تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لدينا فريق عمل ينافس الأمم الكبرى في الوصول للمريخ».
هكذا لخص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الرحلة وهو يعلن إطلاق مشروع «مسبار الأمل» قبل ثلاث سنوات. واليوم يقف «خليفة سات» شاهداً على نجاح الرحلة من الخيمة إلى الفضاء، وهي رحلة تستحق دموع الفرح التي كنا سنراها في عيون زايد، عليه رحمة الله، لو أنه رأى أبناءه وهم يدخلون الفضاء من أوسع أبوابه.
المصدر: البيان