لم تكن الصين “على الأرض” كما توقعتها من خلال ما قرأت. كانت أفضل. ما إن وصلت قبل أمس لمطار بكين حتى صدمت في المطار. وكانت مفاجأة جميلة. ألم أكتب قبل يومين أن المطار يمكن أن يكون مفتاحك الأول لمعرفة مستوى المدينة التنموي والإداري والحضاري؟ هذا السيل الهادر من البشر أمام موظفي الجوازات أنهى إجراءات القدوم، بانسيابية، في دقائق. مطار نظيف أنيق وفي غاية التنظيم.
توقعت أن أرى الناس متزاحمة فوق بعضها البعض في المطار وفي شوارع المدينة. ورأيت عكس ذلك. وجدت مدينة مبتسمة وأنيقة. وبالقرب من صورة ماو تسي سونج، زعيم الحزب الشيوعي الصيني الراحل، في ساحة تيانانمن الشهيرة، تنتشر إعلانات أغلى وأشهر ماركات الساعات والملابس والسيارات الغربية. الصين تغيرت. لكن الأهم أنها تتغير. واللافت أن الناس في الصين تسابق هذا التغيير. وتطمح للمزيد.
في لقاء رسمي أمس في إحدى المؤسسات الاقتصادية الصينية كان المتحدثون الصينيون يشيدون بما تحقق لاقتصادهم. وكل متحدث يعبر عن عدم رضاه بما وصل إليه الاقتصاد لأن الطموح أكبر. تلك الحالة هي “وقود” الإنجاز المتأصلة، كما بدا لي داخل الصينيين. فمهما تحقق من إنجاز لابد من البحث دائماً عن المزيد. وعند الحديث عن النمو الاقتصادي، يؤكد المسؤول الصيني دائماً أن القيادة في الصين تغضب إن قلّت نسبة النمو عن المخطط له لكنها تقلق كثيراً إن تجاوز النسبة المطلوبة. هكذا يخطط الصينيون لاقتصادهم. الطفرة المفاجئة لاتقل ضرراً عن الجمود الشامل.
لا أزعم معرفة جيدة بالاقتصاد الصيني ولاأدعي المعرفة بأوضاع الصين سياسياً واجتماعياً وثقافياً. لكن مشاهداتي الأولية من الشارع الصيني ومن لقاءات محدودة مع بعض صناع القرار في الصين شرحت لي لماذا تتفوق الصين اليوم في اقتصادها ونموها. ولماذا العالم الأول يحسب لها اليوم ألف حساب. لم يحدث هذا فقط لأن جيش الصين فعلاً قوة ضاربة. ولا لكثافة سكانها. ولكن لأن الإنسان الصيني يتغير. يثق في نفسه. وقد آمن أن يقود المشهد في المستقبل.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٨٣) صفحة (٣٢) بتاريخ (١٢-٠٩-٢٠١٢)