يمكنك أن تقرأ بعض ملامح أي بلد من مطاره. فهو مفتاحك الأول لقراءة بعض تفاصيل المشهد في البلد الذي تزوره. فإن كان نظيفاً ومرتباً فالاحتمال الأكبر أنك تزور بلداً نظيفة ومرتبة، وإن كانت الفوضى سيدة المشهد في المطار ففي الغالب هي السائدة في البلد كله. وإن قابلك موظف في المطار يبحث عن “بخشيش” لتسهيل أمورك فثق أنما هو حلقة في سلسلة طويلة من الباحثين عن “بخشيش”.
يمكن القول إن المطار هو عنوان المدينة التي تزورها. وإن عوملت باحترام في المطار فالاحتمال الأكبر أن المعاملة ذاتها ستكون هي عنوان رحلتك. وإن صرخ في وجهك موظف الجوازات وحاول تعقيد أمورك بلا أي مبرر فكان الله في عونك: تلك هي بداية العذاب خلال زيارتك.
أعرف أن التعميم خطأ. وأن ثمة استثناءات. لكنني أكتب هنا عن تجربة طويلة في مطارات الدول المتحضرة ومطارات الدول المتخلفة. أكره السفر للبلدان التي أستنفر فيها فريقاً من الأصدقاء والمساعدين لتوفير وقتي وأنا أعبر مطاراتها قدوماً أو مغادرة. وما من مطار مررت به ووجدته في غاية النظام إلا وكان في بلاد يغلب عليها النظام.
مرة عطلوا إجراءاتي وأنا أغادر مطار عاصمة عربية فلما فاتت رحلتي -لأن “أمن” المطار قرر أن يعاقبني لرفضي دفع “أتاوة” الخروج- طلبت أن أقابل مدير الأمن الأول في المطار. ولم أكن أفهم الابتسامات الساخرة على وجوه الضباط الذين رحبوا بالفكرة ورافقوني لمكتب المدير. وفي مكتبه ظننت أنني قد أتسبب في فصل ثلاثة ضباط على الأقل.
كان الرجل في غاية الترحيب و “أمر” لي بفنجان شاي وبعد أن سمع قصتي قال لي بالحرف الواحد: “ليش عقدت المسألة؟”. ثم شرح: يا ليتك دفعت المقسوم وريحت راسك! لم أكن أعلم أنه حلقة واحدة في سلسلة تبدأ بموظف صغير وتنتهي -بطرق عدة- في مكتب الرئيس!
المطارات هي عناوين الأوطان. وهي مفتاحك الأول لجس النبض في بلاد تتمنى أن تعرف بعض أحوالها!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٨١) صفحة (٣٢) بتاريخ (١٠-٠٩-٢٠١٢)