عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
متى كانت آخر مرة سمعتم أو قرأتم هذه الكلمات: «ديمقراطية»، «المشاركة في صنع القرار»، «العدالة الاجتماعية» أو «التوزيع العادل للثروة» أو «المساواة أمام القانون»، أو حتى «التنمية المتوازنة».
في مصر وسوريا واليمن لم يكن المحتجون الأوائل عام 2011 يرمون إلى إسقاط أنظمة تلك الدول. نعم هتف المتظاهرون في مصر واليمن بشعار «الشعب يريد إسقاط النظام» لكنه في واقع الأمر كان مجازياً أكثر منه تعبيراً عن هدف فعلي. وبقراءة متأنية، كانت ثورات الشباب الأولى تلك تستهدف تغييراً شاملاً دون أن يطال الطبقة السياسية الحاكمة ولا النظام الحاكم بالضرورة. وكان هذا ترجمة لطبيعة تلك الثورات باعتبارها انفجاراً اجتماعياً أكثر منه انفجاراً سياسياً.
في سوريا، كانت المطالب إصلاحية وذات طابع مدني ليس من بينها إسقاط النظام. وفي مصر، ما أن أعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك تنحّية، حتى هرع الشباب في اليوم التالي لتنظيف ميدان التحرير، معتبرين أن هدف الاحتجاجات قد أنجز وتركوا تقرير مصير وشكل السلطة المقبلة للكبار: الجيش، الأحزاب وطبقة سياسية بأكملها.
وفي اليمن جاءت المبادرة الخليجية لكي ترتّب انتقالاً هادئاً وسلساً للسلطة من علي عبد الله صالح إلى نائبه في سياق الاستجابة لما أفرزته ثورة الشباب اليمني من موجبات التغيير. وكان المنطق الطبيعي يقترح أن السلطة الجديدة ستعمل على تحقيق تلك المطالب التي تدور في غالبها حول العدالة الاجتماعية بمعناها الأشمل والمشاركة في صنع القرار.
لكن مطالب الثورات ضاعت واختفت بعد أن تحوّل الأمر مع وصول جماعة الإخوان للسلطة إلى صراع على هوية الدولة في مصر (دينية أو مدنية)، وبعد أن دخلت التنظيمات الجهادية لساحة الحرب في سوريا وحوّلت الثورة المدنية إلى صراع طائفي (السنة ضد العلويين). أما في اليمن، فإن أعجوبة الثورة كانت تكمن في مفارقة لافتة: لم يستخدم الثوار طلقة واحدة في ثورتهم في بلد ينتشر فيه السلاح بما يفوق عدد سكانه (حوالي 60 مليون قطعة سلاح لنحو 24 مليون نسمة).
لكن منذ دخول الحوثيين على خط ثورة الشباب الذي لعب تردد وتلكؤ «الطبقة/النخبة» الحاكمة حيال التغيير دوراً كبيراً في تسهيل دخولهم، فلم تعد مطالب الثورة هي الهدف بل السيطرة على البلد بأكمله.
لهذا فقط، تخلو خطب عبد الملك الحوثي من أي مفردات لها علاقة بمطالب ثورة الشباب اليمني عام 2011 لأن ما قام به الحوثيون قفزة على تلك الثورة وأهدافها. لا ترد تلك الأهداف في خطاب «الإخوان» في مصر أيضاً بل تخوين للنظام الحاكم ورموزه ولا في خطاب الحركات الجهادية التي تقاتل النظام في سوريا بل هجاء وسباب طائفي مقيت.
لا يتعلق الأمر بهذه الحركات فقط، ويبدو الجميع في هذه المنطقة وقد استسلم لحقيقة تم ترسيخها بقوة: لقد طويت صفحة ثورات الشباب العربي بالنسبة للأنظمة الحاكمة أو للحركات الإسلاموية وإن الصراع الدائر في هذه الدول هو صراع على النفوذ الإقليمي. ففي النهاية، اتفق الجميع (مرغمين) على قراءة واحدة لتلك الاحتجاجات: مرحلة من الاضطراب يتعين مواجهة تبعاتها.
هذا صحيح، لكنه يقدّم دليلاً قوياً على أن التدخلات الإقليمية ليست معنية بالمطالب التي يرفعها المحتجون في هذا البلد أو ذاك. كما أنه يرينا أن ما يطلق عليه «التطرف الإسلامي» أو الخطاب الديني عموماً، قد لا يكون بالضرورة عنصراً أصيلاً في الثورات بل أداة يمكن أن تستخدم من هذا الطرف أو ذاك حسب مقتضيات المصلحة المرحلية والمستقبلية. أبرز مثال على هذا هو تنظيم داعش الذي يشبه دخوله على خط الثورة في سوريا وتالياً خط الاحتجاجات الشعبية في العراق ضد فساد حكومة المالكي، ما قام به الحوثيون في اليمن.
فالحاجة إلى غطاء وسياق أوسع لكسب المصداقية والتمدّد تالياً يمثّل قاسماً مشتركاً هنا. النتيجة واحدة: ضاعت وتلاشت مطالب الاحتجاجات في العراق مثلما ضاعت مطالب ثورة الشباب في اليمن. فتنظيم داعش ليس معنياً بالديمقراطية ولا بالعدالة الاجتماعية بل بممارسة الوحشية والمباهاة بها ومحو تاريخ وذاكرة أمة بأسرها.
أما الحوثيون فلم ينطقوا بشيء عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أبعد من كلمات فضفاضة حول الشعب ومطالب الشعب، لكن على الأرض، فإن الأمر يتعلق بالهيمنة الكاملة على البلد والانقلاب متحالفين مع دكتاتور سابق أزاحته الثورة وما زال طامعاً في السلطة.
مع الصراع على النفوذ الإقليمي، ستتغير النظرة للأحداث الداخلية في البلد المعني، فلن يعود الأمر يتعلق بثورة اجتماعية يقودها شبان غاضبون طالما أن هناك أطرافاً أقوى (دول وتنظيمات) تستغل هذه الثورات. هذه إعادة ترتيب لسياق الأحداث (قد تبدو نوعاً من تقليب في كتاب مدرسي) لكنّها ستعيد تذكيرنا بما سقط في المشهد كله: طويت مرحلة ثورات الشباب لصالح صراع النفوذ الإقليمي، لهذا فإن على الجميع التحدّث بلغة مختلفة.
هذا ما حدث فعلاً: فعودة الحديث عن أميركا وإسرائيل بكثافة غير معهودة تعيد تذكيرنا بخطابات أنظمة العسكر والحزب الواحد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فإسرائيل في هذا الخطاب لم تكن سوى تغطية ومبرراً ضمنياً للاستبداد.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-04-23-1.2359565